موسوعة التأمين التعاوني

الصفحة الرئيسية » ............. » مكايد الشيطان وأساليب إغوائه

مكايد الشيطان وأساليب إغوائه

أحدث التعليقات

على رضوان على التأمين التعاوني الإسلامي
محمد مجدلي على المقدمة

تمهيــد :

قبل أن نبدأ في إستكمال البحث الأولي لموضوعنا أجد أنه ينبغى أن نلمح إلى الأطراف ذى العلاقة وهم :

1- الملائكة. 2- الجن. 3- الإنس وينقسمون إلى فرعين : ذكر – وأنثى.

الجميع خلق من عدم – بلا مثال سابق.

خلق الجميع من طبيعة مختلفة هى :

الملائكة من النور – الجن من النار – الإنس من الطين.

الجميع خلق لغايات وأسباب وأهداف مختلفة عن الأخرى.

الملائكة طرف مراقب ومتابع ومُبلغ للأوامر الربانية.

الطرفان الآخران الشيطان والإنسان أعداء متصارعة وعداوة ممتدة حتى نفخة الصور الأولى – نفخة الصعق.

ضررة التكوين الخلقي لكل طرف – المختلف عن التكوين الخلقي للطرفين الآخرين – في تحقيق الأهداف التى خلق لأجلها.

كما ينبغى أن نذكر بأننا ذكرنا في نهاية الجزء الخاص بالسجود لآدم أننا سنتناول المسائل والموضوعات التى سنذكرها في هذا الجزء حسب الترتيب الوارد في سور القرآن الكريم إعتباراً من سورة البقرة حتى سورة الناس ، ويبقى “تأمين الوقابة” من كيد الشيطان وإغوائه ووسوسته ليكون أفضل ختام بمشيئة الله. والله الموفق والهادى إلى سواء السبيل ،،،

[1] سورة البقرة

أ- الشيطان يُعلم الناس السحر

قول الله تعالى في الآيات من الآية 101 حتى الآية 103

” وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ”(101)

” وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآَخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ “(102)

” وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ “(103).

والمعنى : تبين الآيات أن فريقاً من اليهود لما جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم رسولاً من عند الله ، موافق لما في التوراة من صفته ، أعرض فريق منهم عما دلت عليه التوراة من صفة النبى صلى الله عليه وسلم كأنهم جهلاء لا يعرفونها بل كما يقول ابن عباس تركت اليهود كتب الأنبياء كلها ، واتبعوا السحر الذى كتبته الشياطين في زمان سليمان وعملوا به وعلموه للناس ، فمنعهم سليمان من ذلك – يقول الله سبحانه وتعالى في الآية 102 – “وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا ” أى أن سليمان لم يكتب ولكن الشياطين هم الذين كتبوا ، فأثبت الله تبرئة سليمان ، وأثبت الكفر للشياطين لقيامهم بتعليم السحر ، ويعلمون الناس السحر الذى أنزل على الملكين هاروت وماروت بمدينة بابل بالعراق – امتحانا وإبتلاء للناس – وما كان هذان الملكان يعلمان أى أحد السحر حتى ينصحاه ويحذراه ويبينا له ويقولا له – إنما نحن إبتلاء من الله عز وجل فمن تعلم منا وعمل به كفر ، ومن تعلم ولم يعمل به ثبت على الإيمان ، فمن لم يقبل نصحهما ، تعلم منهما السحر ومن بين ما تعلموه نوع يفرق بين الرجل وبزوجته ، ويزرع البغضاء بينهما وما يضر أولئك السحرة أى أحد إلا بإذن الله ومشيئته ، ويتعلم الشياطين والسحرة بعضهم من بعض ما يضرهم في الآخرة ، ولا ينفعهم في الدنيا.

ولقد علموا أن من إختار السحر ، أنه ليس له في الجنة نصيب ، ولبئس ما باعوا به أنفسهم أنهم استبدلوا السحر بوحى الله وشرعه. ولو كانوا يعلمون ما ينفعهم ما أقدموا على هذا العمل المشين والضلال المبين.

والآيات تبين أن السحر من أساليب الشيطان الخطيرة التى يستخدمها الشيطان في إغواء الناس وصرفهم عن دينهم.

ب- النهى عن إتباع خطوات الشيطان والتحذير منه

قول الله تعالى في الآيتين : 168 ، 169

” يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّبًا وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ”(168)

” إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ “(169).

المعنى : يا أيها الناس كلوا مما في الأرض من حيوان ونبات وأشجار ، مما كان كسبه حلالاً ، وكان طيباً في نفسه غير خبيث ، ولا تتبعوا طرق الشيطان ووسائله التى يستدرجكم بها ، إنه لكم عدو واضح العداوة ، ولا يجوز لعاقل أن يتبع عدوه الذى يحرص على إيذائه ؛ لأنه منشأ الخواطر الرديئة ، والحرص على إرتكاب الجرائم والآثام ، وكل ما لم يرد به الشرع فهو منسوب إلى الشيطان ، فالواجب على العاقل أن يأخذ حذره من هذا العدو الذى أظهر عداوته من زمن آدم وبذل نفسه وعمره في إفساد أحوال بنى آدم.

كما أنه يأمركم أن تقولوا على الله في دينه ما لا تعلمون علم اليقين أنه شرعه لكم من عقائد وشعائر دينية ، أو تحليل ما الأصل فيه التحريم ، أو تحريم ما الأصل فيه الإباحة وهذا أقبح ما يأمر به الشيطان ، فإنه الأصل في إفساد العقائد وتحريف الشرائع.

ج- الشيطان يشعل نـار الفرقة والتنازع

قول الله تعالى في الآيتين 208 و 209

” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ”(208)

” فَإِن زَلَلْتُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ “(209).

المعنى : يأمرنا الله سبحانه وتعالى بالدخول في الإسلام بكافة أحكامه ، والإستسلام لله والإخلاص له ، ومن أصوله التوافق والتعاون والمسالمة بين الناس ، وترك الحروب التى يشعلها الشيطان بين المهتدين بهديه ، وابتعدوا عن الشقاق والتنازع ، فقد أمرنا الله سبحانه وتعالى بالألفة والمودة والمحبة والتعاون على البر والتقوى وعدم التعاون على الإثم والعدوان ، وأمرنا أن نتمسك بدين الله. ولا نتفوق فيه فقال تعالى ” وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا ” ، وقال نبينا صلى الله عليه وسلم ” لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم أعناق بعض” ، ولا تتبعوا طرق الشيطان ، ووسائله ، وأساليبه الخبيثة التى يشعل بها نيران التفرق والخلاف والتنازع والشقاق وسوء الأخلاق التى يزينها للناس ويوهمهم فيها أن ما هم فيه من تنازع وشقاق يحقق لهم المنافع والمصالح ، بينما هو عدو ظاهر العداوة في كل ما يدعو إليه ويوسوس به ، فإن حدتم عن طريق السلم وهداية الله وسرتم في طريق الشيطان ، وهو طريق الخلاف والإفتراق. بعد أن بّين الله لكم عداوته ونهاكم عن إتباع خطواته فاعلموا أن الله يأخذكم أخذ عزيز مقتدر.

د- الشيطان يحث على عدم الإنفاق خوف الفقر

قول الله تعالى في الآية (268)

” الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ وَاللهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ “(268).

المعنى : الشيطان يخوفكم من الفقر ، ويحثكم على البخل وعدم التصدق ، ويدعوكم إلى إرتكاب الآثام والمعاصى ، وَاللهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً.

والمغفرة من الله : هي الستر على عباده في الدنيا والآخرة ، والفضل منه سبحانه هو الرزق في الدنيا والتوسعه والنعيم في الآخرة ، وبكل قد وعد الله تعالى.

وفيما قاله إبن عباس رضى الله عنه ” أن في هذه الآية وعدان من الله سبحانه وتعالى ووعدان من الشيطان ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إن للشيطان لمة بإبن آدم وللمَلَك لمة ، فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق ، وأما لمة المَلَك ، فإيعاد بالخير وتصديق بالحق ، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله ، ومن وجد الأخرى فليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم – ثم قرأ – “الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ”.

هـ- قيام آكل الربا كقيام الذى يتخبطه الشيطان من المـس

قول الله تعالى في الآية (275)

” الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا”(275).

المعنى : يحذر الله سبحانه وتعالى الذين يتعاملون بالربا ويأخذونه ، أنهم لا يقومون يوم القيامة من قبورهم إلا مثل ما يقوم الذى به مس من الشيطان ، فيقوم من قبره يخبط كما يخبط من به صرع في قيامه وسقوطه .. يبعث كالمجنون عقوبة له وتمقيتا عند جميع أهل المحشر ، ذلك بسبب أنهم استحلوا أكل الربا ولم يفرقوا بين الربا وبين ما أحل الله من مكاسب البيع.

والخبط : الضرب بغير استواء كخبط العشواء وهو المصروع.

والمس : الجنون .. وفي الآية دليل على فساد من قال : إن الصرع لا يكون من جهة الجن.

وقد استعاذ النبى صلى الله عليه وسلم من أن يتخبطه الشيطان.

وجدير بالذكر الإشارة إلى أن الله قد بين في أول هذه السورة حال المتقين ثم أعقب ذلك ببيان طائفة ثانية هم الذين كفروا ، فوصف حالهم في آيتين ، ثم أتبع ذلك بوصف طائفة ثالثة ، فوصفهم في ثلاث عشرة آية .. هم المنافقين الذين آمنوا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم. ومن بين هذه الآيات الآية – 14 – التى يصفهم فيها بقوله تعالى ” وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ “. – وكلمة شياطين الواردة بصيغة الجمع في الآية تعنى : كل عات متمرد من الإنس والجن. وقد بلغ تمردهم في النفاق والفساد أن يظهرون بوجهين، ويتكلمون بلسانين على النحو الوارد في الآية.

[2] سورة آل عمران

أ- تحصين مريم إبنة عمران وذريتها من الشيطان الرجيم

قول الله تعالى في الآيات من الآية 35 حتى الآية 37

” إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ”(35)

” فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ” (36)

” فَتَقَبّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ” (37)

والمعنى : يقول الله سبحانه وتعالى لرسوله : أذكر – أيها الرسول – إذ قالت امرأة عمران ، والدة مريم عليها السلام – وكانت قد كبرت ولم تلد – يا رب إني أوجبت على نفسى أن أجعل ما في بطني من حمل خالصا لوجهك .. خادما لبيت المقدس فتقبل مني إنك أنت السميع لدعائى ، فلما تم حملها وولدت ما في بطنها ، قالت معتذرة – وكانت ترجو أن يكون الحمل ذكرا – يا رب إني ولدتها أنثي – والله أعلم بما وضعت – لا يخفى عليه شيء – وليس الذكر الذى كانت ترجوه كالأنثى التى وُهبت لها ، في القوة والخلقة. وإني سميتها مريم ، وإني حصنتها بك وأجيرها بحفظك ورعايتك هي وذريتها من الشيطان الرجيم المطرود من رحمتك ، فطلبت الإعاذة لمريم ولولدها من الشيطان الرجيم.

وقد روى الشيخان عن أبى هريرة. أن النبى صلى الله عليه وسلم قال ” كل بنى آدم يمسه الشيطان يوم ولدته أمه إلا مريم وابنها” والمراد أن الشيطان يطمع في إغواء كل مولود بحيث يتأثر منه ، إلا مريم وابنها ، فإن الله عصمهما ببركة هذه الاستعاذة ، ويفيد هذا الحديث أن الله استجاب دعاء أم مريم.

وتفيد الآيات أن الله تقبل مريم بقبول حسن ، وأنشأها نشأة حسنة ، ورباها تربية حسنة وجعل كفالتها إلى زكريا عليه السلام .. وكلن زكريا كلما دخل عليها مكان عبادتها وجد عندها رزقا طيباً. خاطبها قائلاً يا مريم من أين لك هذا الرزق ؟ قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء رزقاً واسعاً بغير حساب.

ب- الشيطان يوسوس للمؤمنين بأخطائهم السابقة لإيقاعهم في المعاصى

قول الله تعالى : ” إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ “(155).

والمعنى : أن الرماه الذين أمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم أن يثبتوا في أماكنهم ليدفعوا المشركين عن ظهور المؤمنين ، لم يتركوا هذه المواقع إلا بإيقاع الشيطان لهم في المعصية وتزيينها لهم بالوسوسة ، فإن الخطيئة الصغيرة إذا ترخص فيها الإنسان سهلت استيلاء الشيطان على نفسه ، لأن الذنب يجر إلى الذنب كما أن الطاعة تجر إلى الطاعة ، وعلى هذا فإن الخطأ الذى أوقعهم فيه الشيطان هو ما كان من الهزيمة والفشل بعد تركهم أماكنهم طمعا في الغنيمة. وهذا التولى ، أو تركهم لأماكنهم ، ومخالفتهم لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يثبتو في أماكنهم ، هو بعض ما كسبوا ، ولكن الله قد يعفو عن بعض الأعمال التى تصدر عن هفوة غير متكررة.

ج- الشيطان يخوف المؤمنين من أنصاره وأوليائه

قول الله تعالى : ” إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ “(175).

والمعنى : أن الذى قال لكم إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم ، هو الشيطان ، يخوفكم بأنصاره ويرهبكم بأعوانه من المشركين ، ويوهمكم أنهم عدد كبير ، وأولو قوة وبأس شديد ، وأن من مصلحتكم أن تقعدوا عن لقائهم وتمتنعوا عن قتالهم فلا تحفلوا بهم ، ولا تخافونهم ولا تجبنوا عن قتالهم فأنهم لا حول لهم ولا قوة ، وخافوا الله وحده بالتزام طاعته ، إن كنتم مؤمنين به حقاً.

وإذا عرضت لكم أسباب الخوف ، فاستحضروا في نفوسكم قدرة الله ، الذى بيده كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه.

[3] سورة النساء

أ- الشيطان قرين للبخيل والمرائى

قول الله تعالى في الآيتين – 37 – 38 –

” الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا” (37)

” وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآَخِرِ وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قِرِينًا”.(38)

 والمعنى : أن الله لا يحب الذين يمنعون ما أوجب الله عليهم من الإنفاق مما أعطاهم من رزقه ، ويأمرون بقولهم وفعلهم غيرهم بذلك ، ويخفون ما آتاهم الله من فضله من الرزق والعلم وغيره ، فلا يبينون للناس الحق ، بل يكتمونه ، ويظهرون الباطل ، وهذه الخصال من خصال الكفر ، وقد هيأنا للكافرين عذاباً مخزياً.

وهيأنا العذاب كذلك للذين ينفقون أموالهم من أجل أن يراهم الناس ويمدحوهم ، وهم لا يؤمنون بالله ، ولا بيوم القيامة ، أعددنا لهم ذلك العذاب المخزى ، وما أضلهم إلا متابعتهم للشيطان ، ومن يكن الشيطان له صاحباً ملازماً فساء صاحباً.

ب- الشيطان يريد أن يضل الناس عن الحق

قول الله تعالى في الآية (60)

” أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا “(60).

المعنى : ألم تر – أيها الرسول – تناقض المنافقين من اليهود الذين يَّدعُون كذباً أنهم آمنوا بما أنزل عليك ، وما أنزل على الرسل من قبلك ، يريدون أن يتحاكموا في نزاعاتهم إلى غير شرع الله مما وضعه البشر ، وقد أمروا أن يكفروا بذلك ، ويريد الشيطان أن يبعدهم عن الحق إبعاداً شديداً لا يهتدون معه إلى الطريق الموصلة إليه.

ج- تدبير الشيطان ضعيفاً

قول الله تعالى ” الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا “.(76)

والمعنى : يبين الله تعالى أن المؤمنين الصادقين يقاتلون في سبيل الله لاعلاء كلمة الحق ، وأما الكافرين فإنما يقاتلون إتباعاً لوسوسة الشيطان ، وتزيينا للكفر ، فقاتلوا أيها المؤمنون أعوان الشيطان الذين زين لهم الشيطان بوسوسته وخداعه أن في الظلم وإهلاك الحرث والنسل شرفا لهم أيما شرف. وذلك باطل وغير صحيح لأن الذين يقاتلون في سبيل الله يطلبون ما تقتضيه سنة العمران ، أما الذين يقاتلون في سبيل الشيطان فيطلبون الإنتقام والإستعلاء في الأرض بغير الحق ، وتسخير الناس لأغراضهم وشهواتهم ، وسنن العمران تأبى ذلك. فقاتلوا أعوان الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفاً.

د- إحباط كيد الشيطان ووسوسته

قول الله تعالى : ” وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً”(83).

 المعنى : تعالج هذه الآية مشكلة من أخطر المشكلات التى يعاني المجتمع المعاصر منها ، وهي مشكلة الإشاعات ، فتشير الآية في بدايتها إلى أنه كان جماعة من ضعفة المسلمين إذا سمعوا شيئاً من أمر المسلمين فيه أمن ، نحو ظفر المسلمين وقتل عدوهم ، أو فيه خوف ، نحو هزيمة المسلمين وقتلهم ، أفشوه ، وهم يظنون أنه لا شيء عليهم في ذلك. وهو الموضوع الذى تبين الآن الحكم فيه ، فبعد مجئ أمر الأمن أو الخوف. تذكر الآية السلوك الذى يتعلق بمجئ هذا الأمر وخطورته ، معبرة عنه بكلمة ” أَذَاعُوا بِهِ ” – ومعنى ” أذاع به ” أى : أفشاه وأظهره ونشره وأشاعه بين الناس ، ثم بينت الحكم الذى يليق بآداب ، وتربية ، وطهارة ، ونقاء المجتمع المسلم في هذا الوقت .. على استحياء وبصيغة التمنى ” وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ … ” أى إلى رئيس الدولة أو المسئول المختص فيها .. وهم أهل العلم والعقول الراجحة فيها ، الذين يرجعون إليهم في أمورهم ، “لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ” ، أى يفهمون حق الفهم ، معناه وفحواه ، بتدبيرهم وصحة عقولهم – أى أنهم لو تركوا الإذاعة للأخبار حتى يكون النبى صلى الله عليه وسلم هو الذى يذيعها، أو يكون أولى الأمر منهم هم الذين يتولون ذلك ، لأنهم يعلمون ما ينبغى أن يفشى وما ينبغى أن يُكتم – ويأتي ختام الآية ليشير إلى نزغات الشيطان ، بقول الله تعالى ” وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً ” أى ولولا فضل الله عليكم ورحمته بكم ، إذ هداكم لطاعته وطاعة رسوله ظاهراً وباطناً ، ورد الأمور العامة إلى الرسول وإلى أولى الأمر منكم ، لا تبعتم وسوسة الشيطان كما اتبعته تلك الطائفة التى تقول للرسول : طاعة لك ، وتُبَيِّتُ غير ذلك، والتى تذيع أمر الأمن والخوف ، وتفسد على الأمة سياستها ، ولأخذتم بأداء المنافقين فيما تأتون وتذرون ولم تهتدوا إلى الصواب.

هـ- مكائد الشيطان ووسائل إغوائه

قول الله تعالى من الآية (116) حتى الآية (122)

” إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَّشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا”(116)

” إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثًا وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَانًا مَّرِيدًا “(117)

” لَعَنَهُ اللهُ وَقَالَ لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا” (118)

” وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأنْعَامِ وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا” (119)

” يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا ” (120)

” أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلاَ يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا “(121)

” وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً ” (122)

والمعنى : يؤكد الله سبحانه وتعالى لعباده أنه لا يغفر البتة لأحد أشرك به سواه ، وأنه يغفر لمن يشاء من المذنبين ، ما دون الشرك من الذنوب فلا يعذبهم عليه ، وأن الله يغفر ما دون الشرك من المعاصى لمن يشاء برحمته وفضله ، وأن من يشرك مع الله أحداً فقد ضل عن الحق ، وبعد عنه بعداً كثيراً ، لأنه سوى بين الخالق والمخلوق. ،

إن هؤلاء المشركين يعبدون أصناماً أسموها بأسماء إناث مثل اللات والعزى ومناة ،

وما يدعون من دون الله إلا شيطاناً مريدا ، وهو إبليس لعنه الله ، إذ هو الذى أمرهم بعبادتها وأغراهم بها فكانت طاعتهم له عبادة – لعنه الله وأبعده عن رحمته وفضله ، واستحق الوصفين فهو شيطان عاة عاص متمرد ، وملعون ، فقال الشيطان – لربه –  بعد أن لعنه وطرده وحرمه من كل خير ، جزاء عصيانه وتمرده – لأجعلن ليّ من عبادك قسماً معلوماً مقدراً من عباد الله أجعلهم تحت غوايتي وفي جانب إضلالي ، حتى أخرجهم من عبادة الله إلى الكفر به ، وأُضًّلُهم فأصرفهم عن طريق الهداية إلى طريق الغواية ، وهم الكفرة والعصاة ، وقد جاء في الخبر “من كل ألف واحد لله والباقى للشيطان – يعضده قول الله تعالى لآدم يوم القيامة ” إبعث بعث النار فيقول : وما بعث النار ؟ فيقول من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين” أخرجه مسلم وعقب القرطبى في تفسيره بأن – بعث النار هو نصيب الشيطان. والله أعلم

ومن وسائله في الإضلال ما جاء في الآية على لسانه : ” وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ ” وإضلال الشيطان لمن يضلهم هو صرفهم عن العقائد الصحيحة ، وشغلهم عن الأدلة الموصلة إلى الحق والهدى ، وبالأماني التى يزين لهم بها الإستعجال باللذات الحاضرة ، والتسويف بالتوبة ، والعمل الصالح ” وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأنْعَامِ ” بتقطيعها طاعة لأمره ، ولأمرنهم فليغيرن خلق الله ، ويدخل فيه ، كل ما نهى الله عنه ، من خصاء ، ووشم ، وغير ذلك من المعاصى ، لأن الشيطان يدعو إلى جميع المعاصى – ومن بينها فطرة الله التى فطر الناس عليها ، يعنى أنهم ولدوا على الإسلام فأمرهم الشيطان بتغييره ، وهو معنى قوله عليه الصلاة والسلام ” كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه”. فيرجع معنى الخلق إلى ما أوجده فيهم يوم – الذر – من الإيمان به في قوله تعالى “أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى”.

ومن يطيع الشيطان ، ويَدَعْ أمر الله ، فقد نقص نفسه ، وغبنها ، بأن أعطى الشيطان حق الله تعالى فيه ، وتركه من أجله ؛ فإن من يتبع الشيطان ووسوسته وإغواءه ، وهو البعيد من أسباب رحمة الله وفضله ، فقد خسر خسرانا ظاهراً في الدنيا والآخرة ، يعدهم أباطيلة من المال والجاه والرياسة ، وأن لا بعث ولا عقاب ، ويوهمهم الفقر حتى لا ينفقوا في الخير ، ويوسوس لهم بأن أموالهم تنفد أو تقل ويصبحون فقراء ، أذلاء ، ويعدهم الغنى والثروة حين الإغراء بالقمار ، وما يعدهم الشيطان إلا خديعة وباطلاً يغترون به ، ويدخل في وعد الشيطان أعوانه من قرناء السوء الذين يزينون للناس الضلال والطغيان والمعاصى والفساد ، وأولئك جميعاً مأواهم جهنم لا يجدون عنها مهربا يفرون إليه.

أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم الله جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ، ووعد الله حق ولا أحد أصدق من الله قيلا.

[4] سورة المائدة

الشيطان يوقع العداوة والبغضاء بين المؤمنين

قول الله تعالى :

” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأنصَابُ وَالأزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ” (90)

” إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنْتُم مُّنتَهُونَ “(91)

والمعنى : خطاب الله في هذه الآيات خطاباً عاماً موجه لجميع المؤمنين بقوله “يا أيها المؤمنون” إنما المسكر الذى تشربونه والذى يذهب العقل ، والقمار المشتمل على عوض من الجانبين ، وغرر من الجانبين ، فلا يعرف نتيجته مقدماً ، ومن من الطرفين المتقامرين سيكسب ومن سيخسر ، والحجارة التى كان يذبح عندها المشركون تعظيما لها أو ينصبونها لعبادتها ، والقداح التى يطلبون بها ما قسم لهم من الغيب – كل ذلك إثم من تزيين الشيطان فابتعدوا عنه لعلكم تفوزون بحياة كريمة في الدنيا ، وبنعيم الجنة في الآخرة. وتفلحوا بتزكية أنفسكم وسلامة أبدانكم والألفة والمودة والمحبة فيما بينكم ، إنما يقصد الشيطان تزيين شربكم للمسكر ، وممارستكم القمار ، أن يشتت أمركم بعد تأليف الله بينكم بالإيمان ، وتجميعه بينكم بأخوة الإسلام وأن يصرفكم بالسكر ، والإشتغال بالقمار ، عن ذكر الله وعن الصلاة التى فرضها عليكم ربكم تزكية لنفوسكم وتطهيراً لقلوبكم ، فهل أنتم أيها المؤمنون – تاركون هذه المنكرات ؟ إنكم بإذن الله قادرون على ذلك ، لتحبطوا عمل الشيطان ، وتدفعوا عن أنفسكم ما ينشأ عنها من الشرور والآثام ، وسخط الرحمن.

[5] سورة الأنعام

أ- الشيطان يزين للناس الكفر والمعاصى

قول الله تعالى في الآيتين – 42 – 43

” وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ “(42)

” فَلَوْلاَ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ “(43).

والمعنى : يبين الله لرسوله أنه بعث إلى أمم قبله – رسلاً – فكذبوهم فابتلاهم الله بالبأساء وهى المصائب في الأموال ، وبالضراء. وهي المصائب في الأبدان من أجل تليين قلوبهم ، ويرجعوا إلى ربهم ، ويخضعوا له ، ويتذللوا له ، ولكنهم لم يفعلوا ذلك ، بل قست قلوبهم فلم يعتبروا ، ولم يتعظوا ، وحَسَّنَ لهم الشيطان ما كانوا يرتكبون من الكفر والمعاصى فاستمروا على ما كانوا عليه. ولو أنهم حين جاءهم البلاء تذللوا لله وخضعوا له لكشف عنهم البلاء ورحمهم.

ب- الشيطان ينسى المؤمن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر

قول الله تعالى في الآية 68

” وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ “(68).

والمعنى : خطاب موجه للنبى صلى الله عليه وسلم والمؤمنون داخلون في الخطاب معه – يقول للرسول إذا رأيت المشركين يتكلمون في آياتنا بالسخرية والإستهزاء فابتعد عنهم حتى يدخلوا في حديث خال من السخرية والإستهزاء باياتنا ، وإذا أنساك الشيطان وجلست معهم ثم تذكرت فغادر مجلسهم ، ولا تجلس مع هؤلاء المعتدين. فمن الناس من يحرفون آيات الله بهواهم ليكفروا بها مسلما أو يضلوا بها مهتديا.

ج- الشيطان يصد المؤمن عن هدى الله

قول الله تعالى في الآية – 71 –

” قُلْ أَنَدْعُو مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا وَنُرَدٌّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ “(71).

والمعنى : قل أيها الرسول للآمرين لك بأتباع دينهم ، وعبادة الأصنام معهم أندعو من دون الله حجراً لا يقدر على نفعنا أو ضرنا ؟ وندع عبادة الذى بيده الضر والنفع والحياة والموت إن كنتم تعقلون ، مثل من يرتد مشركا بعد الإيمان كمن جعله العشق أو الجنون هائما على وجهه ، ضالا في القلوات حيران لا يهتدى ، تاركاً رفاقه على الطريق المستقيم ينادونه: عد إلينا : فلا يستجيب لهم.

قل إن هدى الله الذى أنزل به آياته ، وأقام عليه حججه وبيناته هو الهدى الحق الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه لا ما تدعون إليه من أهوائكم.

وأمرنا بأن نسلم لله رب العالمين فأسلمنا . فمن أنقذه الله من الضلالة لا يمكن لأحد أن يضله ولو كان شيطاناً مريداً.

د- شياطين الإنس والجن يوسوس بعضهم لبعض

قول الله تعالى في الآية (112)

” وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ “(112).

المعنى : قبل أن نعرض لمعنى الآية نشير إلى معنى بعض الكلمات الواردة فيها.

قال ابن عباس : كل عات متمرد من الجن والإنس فهو شيطان يوحى بعضهم إلى بعض ، عبارة عما يوسوس به شياطين الجن إلى شياطين الإنس وقال : مع كل جنى شيطان ، ومع كل أنسى شيطان فيلقى أحدهما الآخر فيقول : إني أضللت صاحبي بكذا ، فأضل صاحبك بمثله : ويقول الآخر مثل ذلك ، فهذا وَحْىُ بعضهم لبعض ، وسمى وحيا لأنه يكون خفية.

والإيحاء : الإعلام بالأشياء من طريق خفى سريع كالإيماء.

والزخرف : الزينة وما يصرف السامع عن الحقائق إلى الأوهام.

والغرور : الخداع بالباطل وقيل الغرور : الباطل.

وروى عن أبى ذر قال. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” يا أبا ذر – هل تعوذت بالله من شر شياطين الإنس والجن ؟ قال قلت : يا رسول الله ، وهل للإنس من شياطين ؟ قال : “نعم هم شر من شياطين الجن”.

وقال مالك بن دينار : إن شيطان الإنس أشد علىّ من شيطان الجن ، وذلك أني إذا تعوذت بالله ذهب عني شيطان الجن ، وشيطان الإنس يجيئني فيجرني إلى المعاصى عيانا.

وأما معنى الآية .. فيقول الله سبحانه وتعالى – كما ابتليناك بمعاداة هؤلاء المشركين لك ، ابتلينا كل نبي من قبلك. فجعلنا لكل واحد منهم أعداء من مردة الإنس ، وأعداء من مردة الجن ، يوسوس بعضهم لبعض ، فيزينون لهم الباطل ليخدعوهم ، ولو شاء الله ألا يفعلوا ذلك ما فعلوه ، ولكنه شاء لهم ذلك إبتلاء ، فاتركهم وما يفترون من الكفر والباطل ولا تعبأ بهم. فلم يشأ الله أن يغير خلقهم أو يجبرهم على خلاف ما تزينه لهم أهواؤهم ، بل شاء أن يكون الإنس والجن على استعداد لقبول الحق والباطل والخير والشر ، وأن يكونوا مختارين سلوك أى الطريقين فذرهم وما يخترعون من الكذب والإفك صرفا للناس عن سبيل الحق، وسعياً في إضلالهم وصدهم عن الرشاد ، وامض لشأنك كما أمرت ، فعليك البلاغ وعلينا الحساب والجزاء.

هـ- الشيطان يحلل ما حرم الله ويحرم ما أحل الله

قول الله تعالى في الآيتين – 121 ، 142 –

” وَلاَ تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ “(121)

” وَمِنَ الأنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ”(142).

المعنى : نهى الله سبحانه عن أكل ما لم يذكر اسم الله عليه ، بعد أن أمر بالأكل مما ذكر اسم الله عليه ، وفيه تحريم أكل ما لم يذكر اسم الله عليه ، ولا تأكلوا أيها المؤمنون مما مات فلم تذبحوه ، ولا ما أهل لغير الله به مما ذبحه المشركون لأوثانهم ، وإن الأكل منه خروج عن طاعة الله إلى معصيته ، وإن الشياطين ليوسوسون إلى أوليائهم بالقاء الشبه ليجادلوكم في أكل الميته ، وإن أطعتموهم ، أيها المسلمون – فيما يلقونه من الشبه – لإباحة الميتة – كنتم أنتم وهم سواء في الشرك.

وكلوا من هذه الأنعام التى رزقكم الله ، وانتفعوا بها بسائر أنواع الإنتفاع المباحة شرعاً ، ولا تتبعوا خطوات الشيطان فتحرموا ما لم يحرمه الله عليكم ، فإن ذلك إغواء منه ، والله المبدع قد أباحها لكم فليس لغيره أن يحرم أو يحلل ، فلا تتبعوا خطوات الشيطان في تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحله كما يفعله المشركون ، إن الشيطان لكم – أيها الناس – عدو واضح العداوة حيث يريد منكم أن تعصوا الله بذلك.

[6] سورة الأعراف

أ- الله يحذر بنى آدم من فتنة الشيطان

قول الله تعالى في الآيات من الآية 27 حتى الآية 30

” يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ ” (27)

” وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ “(28)

” قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ”(29)

” فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلاَلَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ اللهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ “(30)

والمعنى : يحذر الله بنى آدم ، أن لا يصرفنكم الشيطان بوسوسته عن الدين كما فتن أبويكم بإخراجهما من الجنة ، إنه يراكم هو وجنوده وأنتم لا ترونهم ، فلا يغرنكم الشيطان ، بتزيين المعصية لتتركوا اللباس الحسى الذى يستر العورة ، وتغفلوا عن لباس لتقوى وهو لباس الحياء والعمل الصالح والخشية من الله ، وهو خير لباس وأجمل زينة لأنه بالجملة ، إمتثال ما أمر الله به واجتناب ما نهى الله عنه ، واعلموا أن الشيطان وذريته يرونكم ويشاهدونكم وأنتم لا ترونهم ولا تشاهدونهم ، فيلزمكم الحذر منه ومن ذريته – وكما يقول الحق : ” إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ ” بالله ، وأما المؤمنون الذين يعملون الصالحات فلا سبيل لهم عليهم. والشاهد على ذلك أنهم إذا أرتكبوا ذنباً قبيحاً أو فعلوا فعلاً فاحشاً كالشرك أو الطواف بالبيت عراه إعتذروا بأنهم وجدوا آباءهم يرتكبونها ، أو أن الله أمرهم بفعلها ، قل – يا محمد – رداً عليهم ، إن الله لا يأمر بالمعاصى ، بل ينهى عنها ، فكيف تدعون ذلك عليه ؟ أتقولون – أيها المشركون – على الله ما لا تعلمون كذباً وإفتراء.

  وختم سبحانه هذه الآية بقوله ” إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ ” أى أنه قد جرت سنتنا بأن يكون الشياطين الذين هم شرار الجن أولياء لشرار الإنس : وهم الكفار الذين لا يؤمنون بالله تعالى وملائكته إيمان إذعان تزكو به نفوسهم ، فقد اكتسب الكفار والعصاة ولاية الشياطين بسبب استعدادهم لقبول وسوستهم ، وعدم احتراسهم من الأفكار والخواطر السيئة والخبيثة.

ثم قال الله لنبيه محمد قل – يا محمد – لهؤلاء العصاة والمشركين إن الله أمر بالعدل ، ولم يأمر بالفحشاء والمنكر ، وأمر بالإستقامة والطاعة ، ولم يأمر بالمعصية ، وأمر أن تخلصوا له العبادة وحده ، ولا تشركوا به ، وأن تتوجهوا إليه في كل صلاة – إلى القبلة – في أى مسجد كنتم ، “مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ” أى كما بدأكم من عدم – أول مرة – يعيدكم أحياء مرة أخرى ولكنكم تعودون فريقين ،

– فريق هداه الله في الدنيا فآمن برسل الله واهتدى بهديهم وأقام وجهه لله وحده في العبادة ودعاه مخلصاً له الدين لا يشرك به أحداً.

– وفريق حق عليه الضلالة لاتباعهم إغواء الشيطان وإعراضهم عن طاعة خالقهم.

وكل فريق يموت على ما عاش عليه ، ويبعث على ما مات عليه ، فالفريق الثاني حقت عليهم الضلالة لأنهم أتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ، حين أطاعوهم فيما زينوا لهم من الفواحش والمنكرات ، فكأنهم ولوهم أمورهم من دون الله ، الذى يأمر بالعدل والإحسان ، وينهى عن الفحشاء والمنكر ، وهم مع عصيانهم يحسبون أنهم مهتدون رغم اتباعهم نزغات الشيطان والآراء الخاطئة والأفكار الفاسدة مثل الذين قال الله فيهم ” قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا “.

ب- الشيطان يضل من يكفر بآيات الله

قول الله تعالى في الآية – 175 –

” وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ “.(175)

والمعنى : إقرأ – أيها الرسول – على بنى إسرائيل خبر رجل منهم أعطيناه آياتنا ، فعلمها وفهم الحق الذى دلت عليه ، ولكنه لم يعمل بها بل تركها وانخلع منها فلحقه الشيطان فأدركه ، وتمكن من الوسوسة له ، وصار قرينا له فأصبح من الضالين الهالكين ، بعد أن كان من المهتدين. وفي الآية تحذير للمؤمنين من الإنزلاق في مثل الهوة التى انزلق فيها صاحب المثل بحبه للدنيا وركونه إلى شهواتها ولذاتها.

ج- الإستعاذة بالله تنجى من الشيطان

قول الله تعالى في الآيات – 200 حتى 202 –

” وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ” (200)

” إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ ” (201)

” وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ “. (202)

والمعنى : وإذا أحسست – أيها الرسول – أن الشيطان أصابك بوسوسة أو تثبيط عن فعل الخير فالتجئ إلى الله واعتصم به فإنه سميع لما تقوله ، عليم بالتجائك فسيحميك من الشيطان.

إن الذين اتقوا الله بأمتثال أوامره وإجتناب نواهيه ، إذا أصابتهم وسوسة من الشيطان فأذنبوا تذكروا عظمة الله ، وعقابه للعصاة وثوابه للمطيعين ، فتابوا من ذنوبهم وأنابوا إلى ربهم ، فإذا هم قد استقاموا على الحق وصحوا مما كانوا عليه وانتهوا.

وإخوان الشياطين من الفجار والكفار ، لايزال الشياطين يزيدونهم في الضلال ، بذنب بعد ذنب ، ولا يمسك ، لا الشياطين عن الإغواء والإضلال ، ولا الفجار من الإنس عن الإنقياد وفعل الشر.

[7] سورة الأنفال

الشيطان يفر من جند الله

قول الله تعالى في الآيتين ( 11 – 48 )

” إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأقْدَامَ ” (11)

” وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ ” (48).

المعنى : في الآية الأولى يذكر الله المؤمنين “بيوم بدر” إذ يلقى الله النعاس عليكم تأمينا مما حصل لكم من الخوف من عدوكم بسبب الفرق الشاسع بينكم وبين عدوكم في العدد والعدة ، وينزل الله عليكم مطرا من السماء ليطهركم من الأحداث ، وليزيل عنكم وساوس الشيطان ، وليثبت به قلوبكم، لتثبت به أقدامكم عند اللقاء.

ولقد حدث في هذه المعركة عجائب كثيرة فوق قدرة البشر جعلها الله بشرى لتطمئن به القلوب ، وليعلم المؤمنين أنه ليس النصر إلا من عند الله دون غيره.

وفي الآية الثانية يذكر الله – المؤمنين : بنعم الله عليهم إذ حسَّن الشيطان للمشركين أعمالهم بوسوسته وما ألقاه في نفوسهم .. أنهم لا يغلبون لكثرة عَدَدِهِم وعُدْدِهِم وشجعهم على ملاقاة المسلمين وقتالهم ، وقال لهم لا غالب لكم اليوم وإني ناصركم ومجيركم من عدوكم.

فلما التقى الفريقان : فريق المؤمنين ومعهم الملائكة ينصرونهم ، وفريق المشركين ومعهم الشيطان الذى سيخذلهم ، ولىًّ الشيطان هارباً ، وقال للمشركين إني برئ منكم إني أرى الملائكة الذين جاؤوا لنصرة المؤمنين ، إني أخاف أن يهلكني الله ، والله شديد العقاب ، فلا يقدر على تحمل عقابه أحد.

وتفيد وقائع المعركة : أن جند الشيطان كانوا منتشرين في المشركين ، مندسين بينهم يوسوسون لهم لتلاحمهم معهم بأرواحهم الخبيثة بما يغريهم ويغوهم.

كما كان الملائكة منتشرين بين المؤمنين يلهمونهم بملامستهم لأرواحهم الطيبة ، ما يثبتون به قلوبهم ويزيدهم ثقة بوعد الله بنصرهم. فلما تراءت الفئتان وأوشكا أن يتلاحما ، مرَّ الشيطان بجنوده – هاريا – من بين المشركين ، لئلا تصل إليهم الملائكة الملامسة للمؤمنين فيحرقونهم – لأن جند الشيطان والملائكة ضدان لا يجتمعان ، ولو إجتمعا لقضى أقواهما وهم الملائكة على أضعفهما وهم الشياطين ، فَخَوْف الشيطان إنما كان على جنوده من أن تحرقهم الملائكة لا على المشركين.

ومن يكل أمره إلى الله ويؤمن بأنه ناصره ومعينه ، وأنه لا يعجزه شيء ، ينصره الله على أعدائه لأنه العزيز الغالب على أمره ، الحكيم الذى يضع كل أمر في موضعه.

[8] سورة يوسف

كيد الشيطان والتحذير منه

قول الله تعالى في الآيات ( 5 – 42 – 100 )

” قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ “(5)

” وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ “(42)

” وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا  وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ “(100)

والمعنى : تفيد الآيات أن يعقوب عليه السلام قال لإبنه يوسف يا بنى لا تقصص رؤياك على إخوتك فيفهموها ويحسدوك فيدبروا لك مكيدة حسداً منهم ، فيحتالون لهلاكك فريما يوسوس لهم الشيطان على قصدك بسوء ، إن الشيطان للإنسان عدو واضح العداوة.

أما الآية الثانية فتتعلق برفيقين له بالسجن ، فسر لهما رؤيا منامية قائلا يا رفيقى السجن أما الذى رأى أنه يعصر عنبا ، فإنه يخرج يسقى سيده ، وأن ذلك يدل على نجاته من السجن ، ويرجع إلى عمله فسقى الملك. أما الآخر فيصلب ، وقال للذى ظن أنه ناج منهما أذكرني عند الملك، فأنسى الشيطان الساقى ذكر يوسف عند الملك. فمكث يوسف بعد ذلك في السجن عدة سنوات.

وفي الآية الثانية يتبين لنا أن يعقوب خرج وأهله من أرضهم قاصدين يوسف في مصر ، فلما دخلوا عليه ضم إليه أباه وأمه ، وقال لإخوته وأهلهم أدخلوا مصر بمشيئة الله آمنين لا يصيبكم فيها أذى.

وأجلس أبويه على السرير الذى يجلس عليه ، وحياه أبواه وإخوته ، وقال يوسف لأبيه هذه التحية بالسجود لي منكم ، هي تأويل رؤياى التى رأيتها من قبل قد صيرها ربي حقا ، وقد أحسن إليّ ربي حين أخرجني من السجن ، وحين جاء بكم من البادية من بعد أن أفسد الشيطان بيني وبين إخوتي ، إن ربي لطيف لما يشاء ، إنه هو العليم بأحوال عباده ، الحكيم في تدبيره.

[9] سورة إبراهيم

إبليس يتبرأ من تابعيه ويحملهم مسئولية أعمالهم

قول الله تعالى في الآية (22)

” وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُم مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ “(22).

والمعنى : وقال إبليس مخاطباً أتباعه من الإنس ، بعد أن حكم الله بين عباده ، فأدخل المؤمنين الجنة ، وأسكن الكافرين النار ، إن الله وعدكم الوعد الحق – على ألسنة رسله ، وجزاء كل عامل على عمله إن خيراً فخير ، وإن شراً فشر ، وقد أنجزكم ما وعدكم به – ووعّدْتُكُمْ أن لا جنة ولا نار، ولا حشر ولا حساب ، فوعدتكم وعد الباطل فلم أوف بما وعدتكم به ، وما كان ليّ من قوة أقهركم بها فى الدنيا على الكفر والضلال ، ولكن دعوتكم إلى الكفر وزينت لكم المعاصى فبمجرد أن دعوتكم إلى الضلال بوسوستى وتزييني ، أسرعتم إلى إجابتي ، واتبعتم شهوات نفوسكم وأطعتم الهوى فلا تلوموني ، ولوموا أنفسكم ، فقد استجبتم ليّ باختياركم وسوء استعدادكم بلا حجة مني ، بل بتزييني ، ولم تستجيبوا لربكم الذى دعاكم دعوة الحق المقرونه بالحجج والبينات ، فما أنا بمغيثكم بدفع العذاب عنكم ، فأزيل صراخكم ، وما أنتم بمغيثى بدفع العذاب عني ، إني كفرت بجعلكم إياي شريكا لله فى العبادة.

[10] سورة النحل

أ- الشيطان يزين لسائر الأمم أعمالهم الخبيثة

قول الله تعالى في الآية (63)

” تَاللهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ”(63).

والمعنى : أن الله سبحانه وتعالى يقول مسلياً لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن ما حدث لك من صنيع قريش ، قد وقع من سائر الأمم ، فلقد أرسلنا رسلاً من قبلك إلى أممهم بمثل ما أرسلناك به إلى أمتك. من الدعاء إلى توحيد الله ، وإخلاص العبادة له ، وخلع الأنداد والأوثان ، فحسن لهم الشيطان ما كانوا عليه من الكفر به وعبادة الأوثان ، فكذبوا رسلهم ، وردُّوا عليهم ما جاءوا به من عند ربهم ، وما كان ناصرهم فيما اختاروا إلا الشيطان ، وبئس الناصر والمعين ، ولهم فى الآخرة عذاب أليم.

ب- الإستعاذة بالله تمنع وساوس الشيطان

قول الله تعالى في الآيات ( 98 – 99 – 100 )

” فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ “(98)

” إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ “(99)

” إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ “(100)

ويجدر بنا لأهمية الإستعاذة أن نشير إلى بعض المعانى فيما يلى :

معنى الإستعاذة : الإستجارة والتحيز إلى الشيء ، على معنى الإمتناع به من المكروه ، يقال : عذت بفلان واستعذت به. أى لَجَأْت إليه ، وهو عياذى أى ملجئى.

الشيطان : واحد الشياطين لأنه من شطن إذا بعد عن الخير وسمى الشيطان : شيطانا لبعده عن الحق وتمرده وذلك أن كل عات متمرد من الجن والإنس والدواب .. شيطان.

الرجيم : أى المبعد من الخير المهان.

أمر الله بالإستعاذة عند أول كل قراءة.

ومعنى ” فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ” أى إذا شرعت تقرأ القرآن الكريم فاسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيذك من وساوس الشيطان الرجيم ، لئلا يلبس عليك قراءتك ، ويمنعك من التدبر والتفكير ، وتوجيه الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم للإشعار بأن غيره أولى منه بفعل الإستعاذة لأنه إذا أمر بها لدفع وساوس الشيطان مع عصمته ، فكيف بسائر أمته ؟

ثم أوضح الله أنه لا تسلط للشيطان على الذين يصدقون بلقاء الله ، ويفوضون أمورهم إليه، وبه يعوذون وإليه يلتجئوون ، فلا يقبلون ما يوسوس به ولا يطيعونه فيما يريد منهم من اتباع خطواته. فليس له حجة عليهم فى إغوائهم ودعائهم إلى الضلالة ، ويفوضون أمورهم إليه فى كل قول وفعل. فإن الإيمان بالله والتوكل عليه يمنعان الشيطان من وسوسته لهم.

إنما “سلطانه” أى تسلطه بالغواية والضلالة على الذين يجعلونه نصيراً لهم فيطيعونه ، ويستجيبون لدعوته .. والذين هم بسبب إغوائه يشركون بربهم.

[11] سورة الإسراء

أ- الشيطان يزين للمبذرين إنفاق أموالهم فى المعاصى 

قول الله تعالى في الآية (27)

” إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا “(27).

  يختم الله الآية السابقة على هذه الآية بقوله تعالى : “وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا ” والتبذير هو الإسراف المذموم لمجاوزته للحد المستحسن شرعاً فى الإنفاق – أو هو إنفاق المال فى غير حقه ، وقيل هو أخذ المال من حقه ووضعه فى غير حقه ، وهو الإسراف ، وهو حرام لقوله ” إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ” والإسراف فى الإنفاق من عمل الشيطان ، فإذا فعله أحد من بنى آدم فقد أطاع الشيطان واقتدى به.

ويختم ربنا سبحانه وتعالى الآية بقوله ” وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ” أى كثير الكفران ، عظيم التمرد عن الحق لأنه مع كفره لا يعمل إلا شراً ، ولا يوسوس إلا بما لا خير فيه – وهذه الآية تسجل على المبذرين : بمماثلة الشياطين ، ثم تسجل على جنس الشيطان : بأنه كفور ، فاقتضى ذلك أن المبذر مماثل للشيطان ، وكل مماثل للشيطان له حكم الشيطان. وكل شيطان كفور ، فالمبذر كفور.

ب- الشيطان يفسد بين المؤمنين وغيرهم

قول الله تعالى في الآية (53)

“وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا”(53).

والمعنى : وقل – أيها الرسول – لعبادى المؤمنين بي أن يقولوا الكلمة الطيبة فى مخاطباتهم ومحاوراتهم مع خصومهم من المشركين وغيرهم ، ويتجنبوا الكلمة السيئة المنفرة ، لأن الشيطان يستغلها فيسعى بينهم بما يفسد عليهم حياتهم الدنيوية والأخروية ، إن الشيطان كان للإنسان عدوا شديد العداوة ، فيجب الحذر منه ، حتى لا يفسد بينهم.

[12] سورة مـريـم

إن الشيطان كان للرحمن عصيا

قول الله تعالى في الآيات ( 44 – 45 – 68 – 83 )

” يَا أَبَتِ لاَ تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا “(44)

” يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا “(45)

” فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا “(68)

” أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا “(83).

والمعنى : تقص علينا الآيات الحوار الذى دار بين نبى الله إبراهيم عليه السلام وأبيه حول الشيطان قائلاً ” يَا أَبَتِ لاَ تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ ” أى لا تطع الشيطان ، فإن عبادة الأصنام هى من طاعة الشيطان ، فإنه هو الداعى لها والموسوس بها.

” إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا ” حين ترك ما أمره الله به من السجود لآدم ، ومن أطاع من هو عاص لله سبحانه ، فهو عاص لله ، والعاصى حقيق بأن تسلب عنه النعم وتحل به النقم.

ثم حذره من عاقبة ما هو فيه من عبادة الأصنام فقال : يا أبتٍ إني أخاف أن يصبك عذاب من الرحمن على شركك وعصيانك ، فتكون للشيطان قريناً وتابعاً له فى النار.

ثم ترد الآية الثالثة على منكر البعث الذى يقول أئذا ما مت لسوف أخرج حياً . ألا يتذكر هذا الجاحد أول خلقه فيستدل بالابتداء على الإعادة ، فيأتى الرد مؤكداً بالقسم باسم الله سبحانه وتعالى – فوربك – أيها الرسول – لنخرجنهم من قبورهم إلى المحشر مصحوبين بشياطينهم الذين أضلونهم ، ثم لنسوقنهم إلى أبواب جهنم أذلاء باركين على ركبهم ، مع شياطينهم ، لما يصيبهم من هول الموقف ألم تعلم – أيها الرسول – أن سلطنا الشياطين على الكافرين ومكناهم من إضلالهم فهم يغرونهم بفعل المعاصى ويهيجونهم على الوقوع فيها.

 [13] سورة الأنبياء

الشياطين مسخرون لخدمة سليمان

قول الله تعالى في الآية (82)

” وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ “(82).

والمعنى : سخر الله سبحانه وتعالى لنبى الله سليمان عليه السلام الشياطين ، يغوصون له فى البحار يستخرجون اللؤلؤ والمرجان ونحو ذلك ، ويعملون غير ذلك من الأعمال كبناء القصور والمحاريب والجفان وغير ذلك مما يطلبه منهم ، وكان الله لأعدادهم وأعمالهم حافظاً فلا يناله أحد منهم بسوء ، فكل منهم فى قبضته وتحت قهره لا يجسر على الدنو منه ، وهو المتحكم فيهم.

[14] سورة الحـج

أ- الشيطان يضل من يتبعه ويقودهم إلى النار

قول الله تعالى في الآيتين ( 3 – 4 )

” وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ “(3)

” كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلاَّهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ “(4)

والمعنى : أن من الناس من يخاصم فى قدرة الله على بعث الأموات ، ويتبع فى كل شئونه ، ويتبع فى إعتقاده وقوله دون علم يستند إليه ، بل يتبع كل متمرد على ربه من الشياطين ، ومن أئمة الضلال من شياطين الإنس والجن الذين يزينون له طرق الغواية ، ويقودونه إلى الأعمال التى تغضب الله وتقوده إلى النار كالشرك بالله وشرب الخمر وإرتكاب الجرائم.

قدر الله سبحانه على من اتبع ذلك الشيطان المتمرد من شياطين الإنس والجن ومن سلك سبيله أن يضله فى الدنيا بما يوسوس له ويزين له من سلوك سبيل المعاصى والآثام وأن يسوقه فى الآخرة إلى عذاب السعير بما يقود إليه من الكفر والمعاصى.

ب- إلقاء الشيطان القرآن عند تلاوته بخلاف ما أنزل فتنة

قول الله تعالى في الآيتين ( 52 – 53 )

” وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آيَاتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ “(52)

” لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ”(53)

المعنى : يخاطب الله رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بقوله ما معناه : وما بعثنا من قبلك – أيها الرسول – من رسول ولا نبى إلا إذا قرأ كتاب الله ألقى الشيطان فى قراءته ما يلبس به على الناس أنه من الوحى ، فيبطل الله ما يلقيه الشيطان من إلقائه ، ويثبت آياته ، والله عليم بكل شيء لا يخفى عليه شيء ، حكيم فى خلقه وتقديره وتدبيره.

ثم يبين : أن الشيطان يلقى فى قراءة النبى صلى الله عليه وسلم ، ليُصَيِّرَ الله ما يلقيه الشيطان امتحانا للمنافقين ، وللذين قست قلوبهم من المشركين ، وإن الظالمين من المنافقين والمشركين لفى عداوة لله ورسوله وبعد عن الحق والرشاد.

[15] سورة المؤمنون

التعوذ يحفظ من همزات الشياطين ووساوسه

قول الله تعالى في الآيتين ( 97 – 98 )

” وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّياطِينِ “(97)

” وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ “(98).

والمعنى : أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنون بالتعوذ من همزات الشيطان ووساوسه التى يهمس بها فى صدر إبن آدم وهى قوله ” أعوذ بالله من همزات الشياطين : أى نزغات الشياطين الشاغلة عن ذكر الله ، وسورات الغضب التى لا يملك فيها الإنسان نفسه ، وأن يتعوذ من حضور الشياطين ، وأن يكونوا معه فى أى حال من الأحوال ، لأنهم إذا حضروا لا يكون لهم عمل إلا الوسوسة ، والإغراء على الشر ، والصرف عن أن يحضرون.

فيقول : رب أعتصم بك من نزغات الشياطين ووساوسهم وأعوذ بك أن يحضرونى فى شيء من أمورى.

أو يقول رب إني التجئ إليك من أن يصل إلىَّ الشياطين بوساوسهم وأن يبعثوا إلىَّ أعداءك لإيذائى.

أو الدعاء الوارد فى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلم صحابته كلمات يقولونها عند النوم خوف الفزع : “بسم الله أعوذ بكلمات التامة من غضبه وعقابه وشر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون “. والحديث الذى يقول فيه ” إن الشيطان يحضر أحدكم عند كل شيء من شأنه ، حتى يحضر عند طعامه فإذا سقطت من أحدكم اللقمة فليُمط ما كان بها من أذى ، ثم ليأكلها ولا يدعها للشيطان فإذا فرغ فْليْلعَق أصابعه فإنه لا يدرى فى أى طعامه البركة.

[16] سورة النور

الله يأمر بعدم إتباع طرق الشيطان 

قول الله تعالى في الآية (21)

” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللهَ  يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ “(21).

والمعنى : يخاطب الله سبحانه وتعالى المؤمنين بقوله يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله وعملوا بشرعه لا تتبعوا طرق الشيطان ولا تسلكوا سبله وتقتفوا آثاره في تزيينه للمعاصى والذنوب ، فمن يتبع الشيطان يرتكب الفحشاء والمنكر ، فإنه لا يأمر إلا بهما ولا ينبغي اتباعه ولا طاعته ويزين القبيح من الأفعال والأقوال وما ينكره الشرع الشريف ولولا فضل الله عليكم ورحمته بكم بتوفيقكم للتوبة التى تمحو الذنوب، وتغسل أدرانها ما طهر أحد منكم من ذنبه وكانت عاقبته النكال والوبال، ولعاجلكم بالعقوبة.

ولكن الله جلت قدرته يطهر من يشاء من خلقه بقبول توبتهم من تلك الذنوب التى ارتكبوها تفضلا منه ورحمة.

والله سميع لأقوالكم ، عليم بأعمالكم ، لا يخفى عليه منها شيء وسيجازيكم عليها.

[17] سورة الفرقان

الشيطان يخذل الإنسان ولا يغيثه يوم القيامة

قول الله تعالى في الآيات ( 27 – 28 – 29 )

” وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً ” (27)

” يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَنًا خَلِيلاً ” (28)

” لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولاً ” (29).

والمعنى : تعرض علينا الآيات مشهداً من مشاهد يوم القيامة .. يوم الحساب والجزاء .. يوم تجد فيه كل نفس ما عملت محضراً .. يوم الحسرة والندمة. يوم يعض فيه إبليس كبير الشياطين على يديه من شدة الغيظ والحسرة .. يصرخ يا ويلتى .. يا حسرتي يا ليتنى أطعت الله وامتثلت لأمرِه حين أمرني بالسجود لآدم ، وأمر كل الخلق بذلك فسجدوا كلهم أجمعين ، ما عدا الشقى البائس المهين ، العاصى لربه الذى خلقه وأوجده من عدم ، فاستحق اللعن والطرد من رحمة الله ، وياويل كل عاص متمرد وكل كافر جحود وكل ناكر لنعم الله وفضله, الذى لا يُعد ولا يحصى.

المشهد الذى تعرضه الآيات .. مشهد حقيقى .. مشهد الحساب الختامى .. مشهد يجد فيه كل إنسان من بنى آدم صحيفة عمله خلال حياته الدنيا معلقة فى عنقه .. ولو كان وزنه يساوى الذرة .. مزودة بالكرم الربانى “الحسنة بعشر أمثالها” .. يوم لا يستطيع إنسان أن ينكر ما كتب فيها .. فعلى كل فعل شهود من أعضائه يشهدون عليه بما فعل .. يوم يفتضح فيه أمر كل إنسان إن لم ينعم الله عليه بفضله .. وستره وإحسانه .. يوم يعض على يده فيه كل كافر نادم على كفره ، وكل عاصٍ نادم على عصيانه ، وكل ظالم نادم على ظلمه .. يوم يكون فيه وقت التوبة ، والإستغفار والإقلاع عن الذنوب والآثام والندم على ما قدم من عمل بكافة أنواعه ووزنه ومقداره قد انتهى ، فلا عمل فى الآخرة ، ولكنه حساب على عمل خلال فترة إمتحان قد انتهى وقتها ، لحظة إنتهاء عمره فى الدنيا. وها هى أعماله توزن بمثقال الذرة ” فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ” ، ويتحسر كل إنسان على من اتخذهم أصدقاء فأضلوه عن الإيمان بالله وذكره وطاعته ، ويتحسر على استجابته لوسوسة الشيطان الذى كان من عادته أن يخذله ويضله ويصرفه عن الحق ، ويدعوه للباطل ، ولا ينقذه مما يحل به من البلاء ، ولا ينجيه منه.

ولكن يبقى كشف حساب إضافى ، تفضل الله به على كل عبد مؤمن ، بإضافته إلى أعماله وكشف حسابه تتمثل فى :

1- علم ينتفع به. 2- صدقة جارية. 3- ولد صالح يدعو له.

[18] سورة الشعراء

أ- إبليس وجميع الشياطين والضالين يرمون فى الجحيم

قول الله تعالى في الآيتين ( 94 – 95 )

” فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ ” (94)

” وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ ” (95).

والمعنى : تعرض الآيات مشهداً من مشاهد يوم القيامة تظهر فيه النار واضحة ظاهرة مكشوفة للضالين ، بحيث يرونها جميعاً ويسمعون زفراتها التى تبلغ منها القلوب الحناجر ، ويوقنون أنهم مواقعوها ، ولا يجدون عنها مصرفاً ، ويسألون أين ألهتكم التى كنتم تعبدونها ؟ هل ينفعونكم أو ينفعون أنفسهم ، ليست الآلهة التى عبدتموها من دون الله كالأصنام والأوثان بدافعة عنكم ، ولا عن نفسها شيئاً ، فأنتم وإياها اليوم إلى جهنم أنتم لها واردون ، ويشاهد الآلهة ، وإبليس وجنوده من جميع الشياطين ، والغاوون ، وجميع من عبدوها ، أو دعوا إلى عبادتها ، جميعهم يُلقى بعضهم على بعض فى النار ، ويعرض المشهد ما يدور بين هؤلاء الغاوين جميعاً من التنازع والتخاصم والجدال ، يقولون ليت لنا رجعة إلى الدنيا فنعمل صالحاً غير الذى كنا نعمل. والله يعلم أنهم لو رُدًّوا لعادوا إلى ما نهوا عنه وإنهم لكاذبون.

ب- الشياطين لم تتنزل بالقرآن وما يستطيعون

قول الله تعالى في الآيات ( 210 – 211 – 212 )

” وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ ” (210)

” وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ ” (211)

” إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ ” (212).

والمعنى : لم تتنزل الشياطين بالقرآن على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا يستطيعون ذلك لو حاولوا بأى وسيلة ، لأنهم عن سمع الملائكة محجوبون بالشهب ، كما أن القرآن يتعارض مع طباعهم وسجاياهم ، لأن من صفاتهم الإفساد والإضلال ، والقرآن فيه الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، والقرآن هدى ونور وبينه وبين مقاصد الشياطين تعارض كبير.

ج- الشياطين تتنزل على الكذاب كثير الإثـم

قول الله تعالى في الآيتين ( 221 – 222 )

” هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ ” (221)

” تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ” (222).

والمعنى : هل أخبركم خبراً واضحاً جلياً على من تنزل الشياطين ، تنزل على كل كذاب فاجر ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم صادق أمين ، وما جاء به هو من عند الله ، وأنه تنزيله ووحيه ، نزل به ملك كريم ، وليس من قبل الشياطين.

[19] سورة النمل

الشيطان يزين لعبادة الشمس والهدهد يزين لعبادة الله

قول الله تعالى في الآيتين ( 23 – 24 )

” إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ “(23)

” وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لاَ يَهْتَدُونَ ” (24).

والمعنى : تعرض الآيتين السابقتين وما قبلهما وما بعدهما لنبى الله سليمان يتفقد فصيل الطير من جيوشه فلا يرى الهدهد ، فيسأل عنه ثم يتوعده بأحد ثلاث إختيارات إما أن يعذبنه عذاباً شديداً ، وإما أن يذبحنه ، وإما أن يأتيه بحجة تبرر عذره.

ثم جاء الهدهد ، فوقف شامخاً ، وأثقاً من إيمانه ، مطمئناً إلى دليل غيابه ، فسأله سليمان عن سبب تأخره ، فأجاب بقوة الحق المستقرة فى عقله ، وقلبه ، ووجدانه .. قائلاً عرفت ما لم تعرفه ، واطلعت على ما لم تطلع عليه أنت ولا جنودك ، لقد جئتك من مملكة سبأ بخبر حقيقى ، وجدت امرأة تحكمهم وأعطاها الله الغنى والثراء وعظمة الملك وأبهته ، والسلاح وعدة القتال الشيء الكثير. لكني وجدتها وقومها يعبدون الشمس لا خالق الشمس ، وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن الطريق المستقيم وهو إخلاص السجود والعبادة لله وحده.

قال له سيد القوم ونبيهم ، وحاكمهم ، وولى أمرهم سوف نمتحنك ، ونختبر قولك لنعرف حقيقة أمرك هل أنت صادق فيما تقول أم كاذب.

ثم يكتب نبى الله سليمان “كتاباً” إلى بلقيس ملكة سبأ يسجل فيه بعبارات جامعة بسيطة “إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ألا تعلو علىّ وائتوني مسلمين” ويصدر أوامره لجنديه المخلص – الهدهد – أن اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ، ثم تنح عنهم وتابع تصرفهم ، وما هم فاعلون – وبعد مشاورات قواتها – وقومها أقتنعوا برأيها باستبعاد الحرب وإرسال هدية إلى سليمان ، ولما وصلت الهدية إلى سليمان قال للرسول : أتصانعوننى بالمال لأترككم على شرككم وكفركم ؟ لن يكون ذلك أبدا ، فما أعطانيه الله من النبوة والملك الواسع والمال الوفير خير مما أنتم فيه ، فلا حاجة ليّ بهديتكم ، وقال للرسول إرجع بما جئت به ، ولنأتينكم بجنود لا طاقة لكم بها فلما رجعت الرسل إلى بلقيس وأخبرتها بما قال سليمان قالت : قد والله عرفت ، ما هذا بملك ، وما لنا به طاقة ، وبَعَثَتْ إليه : إني قادمة إليك بأشراف قومى ، لأنظر ما أمرك وما تدعونا إليه من دينك ، ثم شرعت فى القدوم إليه. فلما قاربت الوصول جمع سليمان جنده من الجن والإنس وخاطبهم بقوله من منكم يستطيع أن يأتيني بسرير ملكها قبل قدومها علينا ، قال شيطان من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك ، قال سليمان للعفريت متحدثا بنعمة الله وفضله .. موقناً أن الله عالم بما يدور في قلبه ، وما يهمس به فؤاده ، ويعلم أن الله معه أينما كان ، وفى أى مكان ، وكيفما كان ، وأن من كان مع الله كان الله معه ، مصدقاً بما جاء فى الحديث القدسى “عبدى أطعنى أجعلك ربانياً تقول للشيء كن فيكون” وعلمه بحالي يغنى عن سؤالي .. قال للعفريت “أنا أفعل ما لا تستطيع أنت ، أنا أحضره فى أقصر ما يكون مدة . أنا أحضره قبل ارتداد طرفك إليك ، فلما رأى سليمان الكرسى أمامه على حاله لم يتبدل منه شيء ، أو ينقص منه شيء ، قال هذا تفضل من الله عليّ ليختبرني ، أن أشكر فضل الله أم أنكر فلا أشكر ، وهذا ما يعنيه قول الله تبارك وتعالى “وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ “.

فشكر سليمان الله على جزيل نعمه وكريم فضله ، وقال سليمان لجنوده لما جاء عرش بلقيس – غيروا لها معالم السرير وبدلوا أوضاعه ، لنختبر حالها إذا نظرت إليه – فلما جاءت قيل أهكذا عرشك ، قالت كأنه هو ” فأجابت بما دل على رجاحة عقلها .. فلم تقل هو .. ولكن قالت : كأنه هو .. ولما سمعت تعقيب سليمان على ذلك قالت : ونحن أوتينا العلم بكمال قدرة الله ، وصدق نبوتك من قبل هذه المعجزة بما شاهدناه من أمر الهدهد ، وبما سمعناه من رسلنا إليك من الآيات الدالة على ذلك ، وكنا منقادين لك من ذلك الحين.

وأوضح الله سبحانه وتعالى في آياته : أن الذى منعها وصدها ، ما كانت تعبد من دون الله – إنها كانت من قوم كافرين ، أى منعها ما كانت تعبد من دون الله وهو الشمس – عن إظهار الإسلام، والإعتراف بوحدانية الله تعالى – من قبل . أنها كانت من قوم كانوا يعبدونها ونشأت بين أظهرهم ، ولم تكن قادرة على إظهار إسلامها .. إلى أن مثلت بين يدى سليمان – استطاعت أن تنطق بما كانت تعتقده فى قرارة نفسها ويجول بخاطرها.

وروى أن سليمان أمر قبل مقدمها ببناء قصر عظيم ، جعل صحنه من زجاج أبيض شفاف يجرى من تحته الماء ، وألقى فيه دواب البحر من سمك وغيره ، فلما قدمت إليه استقبلها فيه ، وجلس فى صدره ، فحين أرادت الوصول إليه – حسبته ماء ، فكشفت عن ساقيها ، لئلا تبتل ملابسها – فقال لها سليمان : إن ما تظنينه ماء ليس بالماء ، بل هو صرح قد صنع من الزجاج ، فسترت ساقيها وتعجبت من ذلك ، وعلمت أن هذا ملك أعز من ملكها ، وسلطان أعز من سلطانها ، ودعاها سليمان إلى عبادة الله ، وعابها على عبادة الشمس دون الله فأجابته إلى ما طلب وقالت : رب إني ظلمت نفسي بالثبات على ما كنت عليه من الكفر ، وأسلمت مع سليمان لله رب كل شيء ، وأخلصت له العبادة.

[20] سورة القصص

الشيطان عدو مضل مبين

قول الله تعالى في الآية (15)

” وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ “(15).

والمعنى : تبين الآية أن موسى عليه السلام دخل مصر فى وقت راحة الناس فى بيوتهم ، فوجد فيها رجلين يتخاصمان ويتضاربان ، أحدهما من بنى إسرائيل قوم موسى عليه السلام ، والآخر من القبط قوم فرعون أعداء موسى ، فطلب الإسرائيلى من موسى أن يعينه على عدوه القبطى ، فضرب موسى القبطى بقبضة يده فقتله بتلك الضربة لقوتها ، فقال موسى عليه السلام إن هذا الذى حدث هو من تزيين الشيطان ، ومن إغوائه ووسوسته ، إن الشيطان عدو مضل لمن اتبعه ، واضح العداوة والإضلال ، وهذا القتل الذى حدث مني هو بسبب عداوته وإضلاله ، فهو لا يقود إلى خير. إنه عدو مضل مبين يجب الحذر منه.

[21] سورة العنكبوت

الشيطان يزين الكفر والمعاصى

قول الله تعالى في الآية (38)

” وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ “(38).

والمعنى : تبين الآية أن عادا قوم هود وثمود قوم صالح ، زين لهم الشيطان الكفر والمعاصى ، وصدهم عن طريق الحق ، فأهلكهم الله بالزلزلة ، فأصبحوا فى دورهم ساقطين على وجوههم. وقد بقيت لكم آثارهم وبقايا منازلهم المتهدمة – بالحِجْر ، والأحقاف – ظاهرة واضحة شاهدة عليهم ، تشاهدونها ، وتتعظون بها ، وتفكرون فيها. فقد حَسَّنَ لهم الشيطان أعمالهم التى كانوا عليها فصرفهم عن الطريق المستقيم ، وكانوا عقلاء ذوى علم بالحق والضلال والرشد والغى بما علمتهم رسلهم ، ولكنهم اختاروا إتباع الهوى والضلال ، على إتباع الهدى والفلاح ، فعاقبهم الله بكفرهم وتكذيبهم وذنوبهم.

[22] سورة لقمان

الشيطان يدعو إلى الضلال الموصل إلى النار

قول الله تعالى في الآية (21)

” وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ”(21).

والمعنى : ينبهنا الله فى الآية السابقة على هذه الآية أن من الناس من يجادل فى توحيد الله وصفاته بلا علم .. من عقل أو نقل ، ولا هدى ، ولا كتاب منزل ، وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله على رسوله تمسكوا بمجرد التقليد ، وقالوا بل نعبد ما كان يعبد آباؤنا ، ونمشى فى الطريق التى كانوا يمشون فيها. ولو كان آباؤهم يتبعون الشيطان الذى يدعوهم إلى الشرك ويزين لهم الضلال ، ويدعوكم ويزين لكم ما كان عليه آباؤكم ليوصلكم إلى عذاب السعير يوم القيامة.

[23] سورة فـاطـر

الشيطان يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير

قول الله تعالى في الآية (6)

” إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ”(6).

والمعنى : فى هذه الآية يحذر الله سبحانه وتعالى عباده من الشيطان الرجيم فيقول : إن الشيطان لكم عدو دائم العداوة ، فاتخذوه عدوا بالتزام محاربته ، فعادوه بطاعة الله ، ولا تعادوه فى معاصى الله إنما يدعو الشيطان أتباعه إلى الكفر بالله – يدعو أشياعه والمطيعين له إلى معاصى الله سبحانه وتعالى لأجل أن يكونوا من أهل النار.

وفى الآية السابقة على هذه الآية يحذر الله عباده من وساوس الشيطان ومن إغترارهم بالدنيا ، وترك فعل ما أمر الله به ، وفعل ما نهى الله عنه فيقول ما معناه : إن وعد الله بالحشر والجزاء ، حق لا شك فيه ؛ فلا تغرنكم الحياة الدنيا ، والتمتع بمتاعها ، ولا يلهينكم التلهى بزخارفها عن تدارك ما ينفعكم عند حلول الميعاد أتباعاً لوساوس الشيطان.

[24] سورة ياسين

الشيطان يضل عبدته عن طاعة أمر الله ويدخلهم جهنم

قول الله تعالى في الآيات ( 60 حتى 64 )

” أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ “(60)

” وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ “(61)

” وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ “(62)

” هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ “(63)

” اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ “(64).

والمعنى : يقول الحق تبارك وتعالى : ألم أوصكم وآمركم على ألسنة رسلى وأقل لكم يا ينى آدم لا تطيعوا الشيطان بأرتكاب أنواع الكفر والمعاصى ، إن الشيطان لكم عدو مبين ظاهر العداوة لكم، من جراء عداوته لأبيكم آدم من قبل ، وأمرتكم أن تعبدوني وحدى ، وتطيعونى فيما أمرتكم به ، وأن تنتهوا عما نهيتكم عنه ، وهذا الذى نهيتكم عنه من عبادة الشيطان ، وأمرتكم به من عبادة الرحمن هو الصراط المستقيم الذى يؤدى إلى رضاى ودخول الجنة ، ولكنكم لم تمتثلوا ما أمرتكم به.

لقد أضل الشيطان منكم خلقاً كثيراً ، أفلم تكن لكم عقول تأمركم بطاعة ربكم وعبادته وحده سبحانه ، وتحذركم من طاعة الشيطان ، الذى هو عدو ظاهر العداوة لكم.

هذه جهنم التى كنتم توعدون بها فى الدنيا ، هى اليوم أمامكم ترونها رأى العين ، أدخلوها اليوم وعانوا من حرها بسبب كفركم بالله فى حياتكم الدنيا.

[25] سورة الصافات

أ- الكواكب ترمى بالشهب كل شيطان مارد

قول الله تعالى في الآية رقم (7)

” وَحِفْظًا مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ “(7).

والمعنى : توضح الآية أنه لما أخبر أن الملائكة تنزل بالوحى من السماء ، بين أنه حرس السماء من استراق السمع بعد أن زينها بالكواكب – أى حفظنا السماء الدنيا بالنجوم من شيطان متمرد خارج عن الطاعة ، فيرمى بها فلا يستطيع هؤلاء الشياطين أن يسمعوا الملائكة فى السماء إذا تكلموا بما يوحيه إليهم ربهم من شرعه ، ولا من قدره ، ويرمون من كل جانب من جوانب السماء بالشهب إذا أرادوا الصعود لا ستراق السمع.

ب- شجرة الزقوم ثمرها مثل رُؤوس الشياطين

قول الله تعالى في الآيات ( 62 حتى 65 )

” أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ “(62)

” إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ “(63)

” إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ “(64)

” طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ “(65).

والمعنى : تبين الآيات أن شجرة الزقوم الملعونة هى طعام الكفار الذى لا يسمن ولا يغنى من جوع. وهى شجرة خبيثة المنبت تخرج فى قعر الجحيم ، وهى فتنة للظالمين حين افتتنوا بها – وقالوا كيف تكون فى النار شجرة ، وهى شجرة رائحتها منتنة وطعمها مر وشكلها قبيح يشبه رءوس الشياطين وإن الكفار يأكلون من ثمرها المر القبيح فمالئون منه بطونهم فليس لهم طعام غيره.

[26] سورة ص

الشيطان يُسخر لسليمان وإبتلاء أيوب

قول الله تعالى في الآيتين ( 37 و 41 )

” وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ “(37)

” وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ “(41).

والمعنى : تبين الآية الأولى أن نبى الله سليمان عليه السلام عندما دعا ربه قائلاً : يا رب أغفر لي ذنوني وأعطني ملكاً خاصاً بي لا يكون لأحد من الناس بعدي استجاب الله دعاءه ، ومن بين النعم التى أنعم الله عليه بها أن ذلل له الشياطين يأتمرون بأمره فمنهم البناؤون ، ومنهم الغواصون الذين يغوصون فى البحار يستخرجون له اللؤلؤ والمرجان وغير ذلك ومنهم مردة الشياطين المسخرين له والموثوقون فى الأغلال ، وقال لسليمان هذا عطاؤنا استجابة لطلبك فأعط من شئت ، وامنع من شئت فلن تحاسب فى إعطاء أو منع.

وفى الآية الثانية يقول الله سبحانه وتعالى ، واذكر – أيها الرسول – عبدنا أيوب حين دعا الله ربه : أني أصابني الشيطان بأمر متعب معذب. فقال له الله : اضرب برجلك الأرض ، فضرب برجله الأرض ، فنبع له منها ماء يشرب منه ويغتسل ، فيذهب ما به من الضر والأذى فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر ، وأعطيناه أهله وزدناه عليهم مثلهم من البنين رحمة منا به وجزاء له على صبره.

[27] سورة فصلت

الإستعاذة بالله وقاية من نزغ الشيطان

قول الله تعالى في الآية (36)

” وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ “(36).

والمعنى : وإن وسوس لك الشيطان فى أى وقت بشر ، فاعتصم بالله ، والجأ إليه ، إنه هو السميع لما تقوله ، العليم بحالك. أى أنه إذا صرف الشيطان المرء عن شيء مما شرعه الله فليتعوذ من شره ، ولا يطعه فى أمره ، والله سميع لما يقول ، عليم بكل ما يفعل ، وهو المجازى له على ذلك.

والنزغ شبيه النخس – شبه به الوسوسة – لأنها تبعث على الشر ويبدو لي أن الظروف الثقافية والإجتماعية التى نَشَأْتُ فيها ، ومن هم فى مثل عمرى تحتم علىَّ الإشارة إلى بعض العلاقات التى تربط بين هذه الآية والآيات السابقة عليها. التى تشير إلى يوم الحشر – يوم يشهد على كل إنسان سمعه وبصره وجلده بما فعله فى حياته الدنيويه من أعمال مسجلة بدقة شديدة فى صحيفة أعماله – ولكنه يسمع ناقوسا بيد عفريت من الجن أو الإنس يدق دقاً شديداً – انتبه أنت الآن فى حياتك الدنيا تؤدى امتحاناً ، تسجل فيه أعمالك ولو كانت مثقال ذرة من خير ، أو ذرة من شر – يحيط بك أعداء يزينون لك الشر بكل ألوانه وأشكاله .. وأنت لك كامل الحرية والإختيار أن تسجل فى صحيفة أعمالك عمل الخير أو فعل الشر.

ألا تسمع قول الله تبارك وتعالى فى الآية (25) من هذه السورة يقول ” وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ “.(25)

وتعنى هذه الآية أننا يَسَرْنَا ، وهيأنا ، وسلطنا عليهم إخوانا ، وأصحابا ، وأعوانا من شياطين الجن والإنس ، فزينوا لهم ما بين أيديهم من أمر الدنيا ، من الضلالة ، والكفر ، وإتباع الشهوات ، وإرتكاب المعاصى ، وفعل المحرمات ونحو ذلك ، ليس ذلك فقط ، لكن أيضا ما خلفهم من أمر الآخرة ، فيلقون إليهم أن لا جنة ، ولا نار ، ولا بعث ، ولا حساب ، إن هى إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر ، فسهل عليهم فعل ما يشتهون ، وركوب كل ما يتلذذون به من الفواحش. وذلك يوجب عليهم من العذاب ما وجب على الذين كفروا من قبلهم ممن فعلوا فعلهم. لأنهم استووا جميعاً فى الخسارة ، واستحقوا اللعن والخزى فى الحياة الدنيا والآخرة.

[28] سورة الزخرف

الشيطان قرين للمعرضين عن ذكر الرحمن

قول الله تعالى في الآيتين (36 – 37)

” وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ “(36)

” وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ “(37).

والمعنى : أن من يعرض عن القرآن وما فيه من الحكمة إلى أباطيل المضلين ، يعاقبه الله ، بشيطان يلازمه قرينا له فى الدنيا ، يمنعه من الحلال ، ويبعثه على الحرام ، وينهاه عن الطاعة ، ويأمره بالمعصية – أى أن الشياطين الذين يتعرضون لكل أحد ممن يُعرضُ عن ذكر الرحمن يحولون بينهم وبين سبل الحق ، ويمنعونهم منه ويوسوسون لهم أنهم على الهدى حتى يظنون صدق ما يوسوسون به – فيحسبون أنهم مهتدون.

[29] سورة محمد

الشيطان يزين للمرتدين خطاياهم

قول الله تعالى في الآية رقم (25)

” إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ “(25).

والمعنى : إن الذين ارْتَدُّوا ورجعوا إلى دين آبائهم وآثروا الضلال على الهدى ، بعد ما تبين لهم حقيقة التوحيد ، والقرآن ، وصفة النبى محمد صلى الله عليه وسلم فى الكتب السابقة قد زين لهم الشيطان الكفر ، وخدعهم ، وحسن لهم ما فى الدنيا ، ومد لهم فى الآمال ووعدهم بطول العمر ، وحسن لهم خطاياهم ذلك بأنهم اتبعوا ما يغضب الله من الكفر والمعاصى ، وكرهوا ما يرضى الله من الإيمان به والعمل على طاعته فى السر والعلن فأحبط أعمالهم.

[30] سورة المجادلة

أ- الله يأمر بالتناجى بالبر والتقوى والشيطان يزين النجوى بالإثم والعدوان

قول الله تعالى في الآيتين (9 – 10)

” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلاَ تَتَنَاجَوْا بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ “(9)

” إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ “(10).

والمعنى : أن الله سبحانه وتعالى يخاطب المؤمنين فيقول : يا أيها الذين آمنوا بالله ، وعملوا بما شرعه لهم لا تتناجو بما فيه إثم أو عدوان أو معصية للرسول ، حتى لا تكونوا مثل غير المؤمنين ، وتناجو بما فيه طاعة لله  وكف عن معصيته ، واتقوا الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه ، فهو الذى إليه وحده تحشرون يوم القيامة للحساب والجزاء.

إنما النجوى – المشتملة على الإثم والعدوان ومعصية الرسول – من تزيين الشيطان ووسوسته لأوليائه ، ليدخل الحزن على المؤمنين – مُوَسْوساً لهم – بأنه يُكادُ لَهَمْ – وليس الشيطان ولا تزيينه بضار المؤمنين شيئاً ، إلا بمشيئة الله وإرادته ، وعلى ذلك فليعتمد المؤمنون فى جميع شئونهم.

ب- الشيطان يوسوس لحزبه ويزين لجنوده الشهوات فيدخلهم جهنم

قول الله تعالى في الآية (19)

” اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ “(19).

والمعنى : تبين الآية حال قوم استولى عليهم الشيطان فأنساهم بوسوسته ذكر الله ، فلم يعملوا بما يرضيه ، وإنما عملوا بما يغضبه ، فأظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر ، وتستروا بالأيمان الكاذبة وزين لهم الشيطان المعاصى ، أولئك هم جنود إبليس وأتباعه ، ألا إن جنود إبليس وأتباعه هم الخاسرون فى الدنيا والآخرة فقد باعوا الهدى بالضلال والجنة بالنار.

[31] سورة الحشر

الشيطان يكْذِبُ فى تعهده ويتبرأ منه

قول الله تعالى في الآية (16)

” كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ”(16).

والمعنى : تقدم الآية مثلاً ضُربَ للمنافقين الذين وعدوا اليهود من بنى النضير النصرة إن قوتلوا ، أو الخروج معهم إن أخرجوا ، ومثل بنى النضير فى غرورهم بوعودهم ، وإسلامهم إياهم فى أشد حاجتهم إليهم وإلى نصرتهم – كمثل الشيطان الذى غرّ إنساناً ووعده النصرة عند الحاجة إليه ، إذا هو كفر بالله واتبعه وأطاعه ، فلما احتاج إلى نصرته أسلمه وتبرأ منه ، وقال إني أخاف الله رب العالمين إذا أنا نصرتك ، لئلا يشركني معك فى العذاب.

فالشيطان سول للإنسان الكفر والعصيان ، فلما دخل فيه تبرأ منه وتنصل وقال ” إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ” فكان عاقبة الآمر بالكفر والداخل فيه – الخلود فى النار أبدا ، وهكذا جزاء الظالمين لأنفسهم بالكفر ، كيهود بنى النضير والمنافقين الذين وعدوهم بالنصرة.

[32] سورة المـلـك

النجوم شُهُباً ترجُمُ الشياطين فتحرقهم

قول الله تعالى في الآية رقم (5)

” وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ”(5).

المعنى : ولقد زينا أقرب سماء إلى الأرض بنجوم مضيئة ، وجعلنا تلك النجوم شهباً تُرْجَمُ بها الشياطين التى تسترق السمع فتحرقهم وهيأنا لهم فى الآخرة النار المسعرة.

قال قتادة : خلق الله النجوم لثلاث : زينة للسماء ، ورجوما للشياطين ، وعلامات يهتدى بها فى البر والبحر ، فمن تكلم فيها بغير ذلك فقد تكلم فيما لا يعلم وتعدى وظلم ، وجعلنا المصابيح رجوما يُرجم بها الشياطين الذين يسترقون السمع ، وأعتدنا للشياطين فى الآخرة بعد الإحراق فى الدنيا بالشهب – عذاب السعير.

[33] سورة التكوير

القرآن كلام الله بَلَّغَهُ أمين الوحى جبريل إلى رسول الله محمد الأمين

قول الله تعالى في الآيات من الآية (19 حتى الآية 25)

” إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ” (19)

” ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ” (20)

” مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ” (21)

” وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ” (22)

” وَلَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ الْمُبِينِ” (23)

” وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ” (24)

” وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ” (25)

والمعنى : يبين الله فى هذه الآيات أن القرآن المنزل على رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم هو كلام الله بَلَّغَهُ مَلَكُ أمين هو جبريل عليه السلام ، رسول عن الله ، كريمُ على الله ، إئتمنه الله عليه .. وهو ذو قوة ظاهرة ، ذى منزلة عظيمة عند رب العرش سبحانه يطيعه أهل السماء ، ومؤتمن على ما يبلغه من الوحى ، وما محمد صلى الله عليه وسلم الذى يعيش بينكم ، والملازم لكم ، الذى تعرفون عقله وأمانته وصدقه بمجنون كما تدعون بهتانا ، ولقد رأى صاحبكم جبريل على صورته التى خُلق عليها بأفق السماء الواضح ، وما محمد صلى الله عليه وسلم .. على خبر السماء وما غاب عنكم علمه بمتهم ، وهو ثقة فيما يؤدى عن الله سبحانه وتعالى – ولا يبخل بالوحى ، ولا يُقَصِّر فى التبليغ ، وما القرآن بقول شيطان من الشياطين المسترقة للسمع المرجومة بالشهب المطرودة من رحمة الله ، وما القرآن إلا موعظة للخلق أجمعين لمن شاء الإستقامة على الحق والإيمان والطاعة.

[34] سورة الفلق

الإستعاذة بالله من جميع ما خلق ومن إبليس وذريته

قول الله تعالى في آيات السورة الخمس

” قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ” (1)

” مِن شَرِّ مَا خَلَقَ” (2)

” وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ” (3)

” وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ” (4)

” وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ” (5)

والمعنى : قل – أيها الرسول – أعتصم ، وأستعيذ برب الخلق ومبدع الكائنات ، من كل أذى وشر يصيبني من مخلوق من مخلوقاته ، وأستجير به.

فإني أستعيذ بالله من جميع مخلوقاته عامة وبخاصة إبليس وذريته لأنه لم يخلق الله خلقاً هو شر منه ولأن السحر لا يتم إلا به – ومن شر الليل وظلمته إذا دخل فيستر اللصوص والمجرمين ، وأعتصم به سبحانه من شر السواحر أى الساحرات اللائى ينفثن فى عقد الخيط لحل روابط المحبة بين الزوجين ، وأعتصم به من شر الحاسد الذى يتمنى زوال النعمة التى أنعم الله بها على المحسود.

[35] سورة الناس

الإعتصام بالله من وسوسة الشيطان والتعوذ من جميع شروره

قول الله تعالى في آيات السورة من ( 1 – 6 )

” قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ”(1)

” مَلِكِ النَّاسِ”(2)

” إِلَهِ النَّاسِ”(3)

” مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ”(4)

” الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ”(5)

” مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ”(6)

والمعنى : قل – أيها الرسول – أعتصم برب الناس واستجير به فهو مالكهم ومدبر أمورهم ، وواضع الشرائع والأحكام التى فيها سعادتهم فى معاشهم ومعادهم.

ونبه أن العبودية خاصة بالله سبحانه وتعالى لا يشاركه فيها أحد ، فهو معبودهم بحق ولا معبود لهم بحق غيره. أتعوذ به من شر الشيطان الذى يلقى وسوسته إلى الإنسان إذا غفل عن ذكر الله ، ويتأخر عنه إذا ذكره.

ووصف بالخناس لأنه كثير الإختفاء ، وفى الخبر ” إن الشيطان جاثم على قلب ابن آدم ، فإذا غفل وسوس ، وإذا ذكر الله خنس”. وعن النبى صلى الله عليه وسلم قال ” إن الشيطان يجرى من إبن آدم مجرى الدم “.

وهذا الوسواس الخناس الذى يوسوس فى صدور الناس قد يكون من الجن وقد يكون من الناس.


أضف تعليق