موسوعة التأمين التعاوني

الصفحة الرئيسية » الفطرة » الفطرة في حياة محمد صلى الله عليه وسلم (2) فرائض ميثاق الذر وأحكام ميثاق الأمانة ورسالة الأنبياء والرسل

الفطرة في حياة محمد صلى الله عليه وسلم (2) فرائض ميثاق الذر وأحكام ميثاق الأمانة ورسالة الأنبياء والرسل

أحدث التعليقات

على رضوان على التأمين التعاوني الإسلامي
محمد مجدلي على المقدمة

تمهيد:

عرفنا من تأملاتنا السابقه..أن الله خلق آدم أبو جميع البشر من طين..هيكلا جسمانيا تام الخلق والتكوين لا حياة فيه.

وأنه دبت فيه الحياة حين نفخ الله فيه من روحه..وصار إنسانا عاقلا قادرا على الحركه..قادرا على الكلام..قادرا على تنفيذ كل ما يؤمر به من تكاليف.

فأمر الله الملائكة..وكان من بينهم إبليس بالسجود لآدم سجود تحية وتقدير..فسجد الملائكة كلهم أجمعين إلا إبليس أبا واستكبر وكان من الكافرين فحقت عليه اللعنه والطرد من رحمة الله.

وصار هذا الأمر أول إختبار يكشف عن حقيقة الكافر من المؤمن والطائع من العاصى..

ثم أسكن الله آدم وحواء الجنة..وأباح لهما التمتع بجميع خيراتها وثمارها ماعدا شجرة واحدة أمرهم بعدم الإقتراب منها أو الأكل منها وحذرهما من إبليس..وأخبرهما أنه عدو لهم..وأنه يسعى لإخراجهما من الجنة انتقاما منهما لأنهما كانا السبب فى لعنه وطرده من رحمة الله..وأخذ إبليس يكيد لهما ويزين لهما الأكل من الشجرة فأكلا منها..فبدت لهما سوءاتهما..وفقدا صلاحية البقاء فى الجنة فأزَلّهما الشيطان وأخرجهما مما كانا فيه..فناداهما ربهما بقوله- إهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم فى الأرض مستقر ومتاع إلى حين- أى إقامة فى الأرض والحياة فيها إلى أن تنتهى آجالكما. فتسبب أكلهما من الشجرة التى أمرهما الله بعدم الأكل منها إلى مخالفة أمر الله وعدم الإمتثال له..فأمرهما بالخروج من الجنة..والهبوط إلى الأرض والإقامة فيها إلى أن تنتهى آجالهما- وهذا هو الإختبار الثانى وهذا حصاده.وهذه هى آثاره..التعب والمشاق ومواجهة الصعوبات والأخطار التى يعانى منها كل من يعيش على الأرض ويكابد أحوالها-

ويستشعر آدم و حواء اشد حالات الحسرة والندم ويتصاعد فى فؤادهما الإحساس بالحزن والألم..ويتفجر فى نفس كل منهما الإحساس بالذنب ويدركان مدى خطورة الآثار المترتبة على مخالفة أمر الله..ويستغرقان فى البكاء الأيام والليالى ولا يتوقف لسانهما عن التوبة إلى الله والإستغفار والتوجه إليه بالدعاء أن يرحم ضعفهما..ويغفر ذنبهما ويتوب عليهما ويقرّان بالذنب ويعترفان بالخطأ ويتعهدان أمام الله بعدم تكرار مثل هذا الخطأ مرة أخرى.

فتفضل الله سبحانه وتعالى بواسع فضله وكرمه ورحمته..بأن يعفو عنهما..ويغفر لهما..ويقبل توبتهما.

أمّا العودة إلى الجنة..فقد اقتضت نتائج الإختبار الثانى..والهبوط من الجنة إلى الأرض..والإنتقال بالتناسل والتكاثر ليكون عن طريق الزواج والتلقيح الرحمى وليس الخلق المباشر.. إقتضت أن يكون الثواب أو العقاب..ودخول الجنة أو النار وفق نتائج الإختبار الثالث الذى أنزله الله مقترنا بأمر الهبوط من الجنة إلى الأرض..وذكر نصا وتطبيقا فى معظم سور القرآن الكريم وقد ذكرناه كثيرا فى تأملاتنا ونصه وفق ما جاء فى الآيتين 38 و 39 من سوره البقره: (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ {38} وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {39})

واقتضت الضروره أيضا أخذ الميثاق على جميع ذرية آدم بعد استخراجهم من ظهور آبائهم.واقتضت الضرورة تحمل آدم للأمانه بحقها.

واقتضت الضرورة أيضا أن يبعث الله لكل أمة على مدى التاريخ نبيا .. وقد بلغ جملة عددهم مائه وأربعة وعشرون ألف نبى – والرسل منهم ثلاثمائه وثلاثه عشر رسولا- المذكرون فى القرآن الكريم بالإسم العلم ثمانيه عشر رسولا- وأول الرسل آدم- وخاتم الرسل محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وسوف نتأمل بمشيئة الله تعالى فيما يلى:

    أولا- فرائض ميثاق الذر وأحكامه. 

     ثانيا- أحكام الأمانه 

     ثالثا- ميثاق الأنبياء والرسل وأحكامه: 

أولا: فرائض ميثاق الذر وأحكامه:

قال الله تعالى فى سورة الأعراف:

(وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ {172} أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ {173} وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ {174})

والمعنى :

تفسير المفردات:

الظهور: واحدها ظهر..وهو مافيه العمود الفِقْرى لهيكل الإنسان الذى هو قوام بنيته..فيصح أن يعبر به عن جملة الجسد.

  • الذرية:سلالة الإنسان من الذكور والإناث.
  • الشهاده: تارة تكون : قوليه..كما فى قوله تعالى: (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ {130})- الأنعام-..وتارة تكون: حاليه..كما فى قوله تعالى(مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ {17} )- التوبه- أى حالهم شاهدة عليهم بذلك لا أنهم قائلون ذلك.

المختصر التفسيرى:

واذكر- يامحمد- إذا أخرج ربك من أصلاب بنى آدم ذرياتهم..وقررهم بإثبات ربوبيته..بما أودعه فى فطرهم من الأقرار بأنه خالقهم..وربهم..قائلا لهم ألست بربكم ؟قالوا جميعا بلى أنت ربنا- قال: إنما امتحناكم وأخذنا عليكم الميثاق..حتى لا تنكروا يوم القيامه حجة الله عليكم..وتقولو أنه لا علم لكم بذلك..أو تحتجوا بأن آباءكم هم الذين نقضوا العهد فأشركوا بالله..وأنكم كنتم مقلدين لآبائكم فيما وجدتموهم عليه من الشرك..فتقولوا أفتؤاخذنا- ياربنا- بما فعله آباؤنا الذين أبطلوا أعمالهم بالشرك بالله فتعذبنا؟ فلا ذنب لنا لجهلنا وتقليدنا لآبائنا.

وكما بينا الآيات فى مصير الأمم المكذبه..كذلك..نبيِّنها لهؤلاء رجاء أن يرجعو عما هم عليه من الشرك إلى توحيد الله وعبادته وحده كما جاء فى العهد الذى قطعوه لله على أنفسهم.

ج- المختصر الإجمالى

قال الإمام الطبرى فى تأويل قول الله تعالى:

“وإذ أخذ ربك من بن آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم..ألست بربكم؟قالوا: بلى شهدنا..أن تقولوا يوم القيامه: إنا كنا عن هذا غافلين.

يقول الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:واذكر يامحمد ربك إذ استخرج ولد آدم من أصلاب آبائهم فقررهم بتوحيده وأشهد بعضهم على بعض شهادتهم بذلك وإقرارهم به..وروى عن ابن عباس عن النبى صلى الله عليه وسلم قال:أخذ الله الميثاق من ظهر آدم بنعمان..يعنى:عرفه:فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها فنثرهم بين يديه كالذر ثم كلمهم فتلا فقال: ألست بربكم؟ قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامه إنا كنا عن هذا غافلين- أو تقولوا إنما أشرك اباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون.

وروى عن ابن عباس أيضا قال: أهبط الله آدم حين أهبط..فمسح الله ظهره فأخرج منه كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامه ثم قال: ألست بربكم؟ قالوا: بلى..ثم تلا وإذ أخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ذرياتهم فجف القلم من يومئذ بما هو كائن إلى يوم القيامه.

وروى عن مجاهد عن عبدالله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذ أخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم قال أخذوا من ظهره كما يؤخذ بالمشط من الرأس فقال لهم ألست بربكم؟ قالوا: بلى..قالت الملائكه شهدنا بأن تقولوا يوم القيامه إنا كنا عن هذا غافلين.

وقال ابن عباس:خلق آدم ثم أخرج ذريته من ظهره مثل الذر فكلمهم ثم أعادهم فى صلبه..فليس أحد إلا وقد تكلم فقال: ربى الله..فقال وكل خَلْقٍ..خَلَقَ فهو كائن إلى يوم القيامة وهى الفطره التى فطر الناس عليها..وقيل: جمعهم يومئذ جميعا ماهو كائن إلى يوم القيامه..ثم استنطقهم..وأخذ عليهم الميثاق وأشهدهم على أنفسهم..ألست بربكم؟قالوا:بلى..شهدنا أن يقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين..أو يقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل .. وكنا ذرية من بعدهم .. أفتهلكنا بما فعل المبطلون .. قال : فإنى أشهد عليكم السموات السبع .. والأرضيين السبع .. وأشهد عليكم أباكم آدم .. أن تقولوا يوم القيامة لم نعلم بهذا..اعلموا أنه لا إله غيرى ..ولا رب غيرى ..ولا تشركوا بى شيئا وسأرسل إليكم رسلا يُذَكِّرُنَكُم عهدى وميثاقى ..وسأنزل عليكم كتبى..قالوا شهدنا أنك ربنا..وإلاهنا..لا رب لنا غيرك ولا إله لنا غيرك فأقروا له يومئذ بالطاعه…ورفع عليهم أباهم- آدم- فنظر إليهم فرأى منهم الغنى والفقير..وحسن الصوره .. ودون ذلك..فقال: رب: لولا سويت بينهم..قال:فإنى أحب أن أشكر قال:وفيهم الأنبياء عليهم السلام يومئذ مثل السُّرُج..وخص الأنبياء بميثاق آخر- قال الله:وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك..ومن..نوح ..وابراهيم..وموسى..وعيسى بن مريم..وأخذنا منهم ميثاقا غليظا..وهو الذى يقول تعالى ذكره:فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التى فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله..وفى ذلك قال:هذا نذير من النذر الأولى..يقول:أخذنا ميثاقه مع النذر الأولى..ومن ذلك قوله: وما وجدنا لأكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين..ثم بعثنا من بعده رسلا إلى قومهم فجاؤوهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل..قال:كان فى علمه يوم أقروا به..ومن يصدق ومن يكذب.

وقيل:قال ابن عباس خلق الله آدم..ثم أخرج ذريته من ظهره فكلمهم الله وأنطقهم..فقال:ألست بربكم؟ قالوا: بلى..ثم أعادهم فى صلبه..فليس أحد من الخلق إلا قد تكلم فقال:ربى الله..وأن القيامه لن تقوم حتى يولد من كان يومئذ أشهد على نفسه.. فقال ألست بربكم قالوا بلى..فأطاعه طائفة طائعين..وطائفة كارهين على وجه التقية..فقال هو والملائكه شهدنا أن يقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين..أو يقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم..فلذلك ليس فى الأرض أحد من ولد آدم إلا وهو يعرف أن ربه الله- ولا مُشَرِكَ إلا هو يقول لإبنه..إنا وجدنا آباءنا على أمة- والأمة الدين- وإنا على آثارهم مقتدون..وذلك حين يقول الله”وإذ أخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم؟ قالوا بلى” وذلك حين يقول” وله أسلم من فى السموات والأرض طوعا وكرها..وذلك حين يقول فلله الحجة البالغه..فلو شاء لهداكم أجمعين..يعنى يوم أخذ منهم الميثاق.

وقيل: مسح الله على صلب- آدم- فأخرج من صلبه من ذريته ما يكون إلى يوم القيامة..وأخذ ميثاقهم أنه ربهم..فأعطوه ذلك..ولا يسأل أحد كافر ولا غيره من ربك؟- إلا قال: الله.

وقيل أقرت الأرواح قبل أن تخلق أجسادها.

وفى تأويل قوله تعالى”وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون”يقول: كذلك نفصل الآيات ونبينها لقومك لينزجروا ويرتدعوا فينيبوا إلى طاعتى..ويتوبوا من شركهم وكفرهم فيرجعوا إلى الإيمان والإقرا بتوحيدى وإفرادى الطاعة لى..وترك عبادة ما سواى.

قال الإمامان البغوى والبغدادى فى تأويلهما لهذه الآيات: قول الله سبحانه وتعالى: وإذ أخذ ربك : يعنى واذكر يامحمد إذ أخذ ربك من بنى آدم من ظهوره بنى آدم..وإنما لم يذكر ظهر آدم..وإن كان الله سبحانه وتعالى أخرج جميع الذرية من ظهره..لأن الله تعالى أخرج ذرية آدم بعضهم من ظهر بعض..على نحو ما يتوالد الأبناء من الآباء لذلك قال سبحانه وتعالى..من بنى آدم من ظهورهم..فاستغنى عن ذكر ظهر آدم عليه السلام..لما علم أنهم كلهكم بنو آدم وأخرجوا من ظهره..فترك ذكر ظهر آدم استغناء. وهو مذهب أهل التفسير والأثر وظاهر ماجاءت به الروايات عن السلف فيما رواه الطبرى عن ابن عباس من طرق كثيره وروايات مختلفة منها عن ابن عباس عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: أخذ الله الميثاق من ظهر آدم بنعمان فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها..فنثرهم بين يديه كالذر..ثم كلمهم قبلا..وقال ألست بربكم؟ قالو بلى..شهدنا أن يقولوا يوم القيامه إنا كنا عن هذا غافلين.

وعن ابن عباس فى هذه الآية قال: مسح ربك ظهر آدم.. فخرجت كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامه بنعمان وأخذ ميثاقهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا.

وفى رواية عنه قال: إن الله عز وجل مسح صلب آدم فاستخرج كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة فأخذ منهم الميثاق أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا وتكفل لهم بالأرزاق ثم أعادهم فى صلبه فلن تقوم الساعة حتى يولد كل من أعطى الميثاق يومئذ.

وروى الطبرى عن عبدالله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- أخذوا من ظهره كما يؤخذ بالمشط من الرأس..فقال لهم ألست بربكم؟ قالوا بلى: قالت الملائكه شهدنا.. أن تقولوا يوم القيامه إنا كنا عن هذا غافلين. وقال ابن عباس أخرج ذرية آدم من ظهره فكلمهم الله وأنطقهم فقال ألست بربكم..قالوا بلى..ثم أعادها فى صلبه فليس أحد من الخلق إلا وقد تكلم فقال: ربى الله وإن القيامه لن تقوم حتى يولد من كان يومئذ أشهد على نفسه – وروى أن الله سبحانه وتعالى قال لهم جميعا” اعلموا أنه لا إله لكم غيرى..وأنا ربكم لا رب لكم غيرى فلا تشركوا بى شيئا فإنى سأنتقم ممن أشرك بى..ولم يؤمن بى..وإنى مرسل إليكم رسلا يُذكِّرُنَكُم عهدى وميثاقى..ومنزل عليكم كتبا..فَـتَكَلَّمُوا جميعا وقالوا: شهدنا أنك ربنا لا رب لنا غيرك..فأخذ بذلك مواثيقهم ثم كتب آجالهم وأرزاقهم ومصائبهم..فنظر إليهم آدم عليه السلام فرأى منهم الغنى..والفقير..وَحَسَنْ الصوره..ودون ذلك فقال رب هلا سويت بينهم..فقال إنى أحب أن أشكر..فلما قررهم بتوحيده..وأشهد بعضهم على بعض أعادهم إلى صلبه فلا تقوم الساعة حتى يولد كل من أخذ منه الميثاق..فيكون معنى الآيه: “إذ أخذ ربك من بنى آدم”- أى أن الله أخرج الذرية من ظهرآدم لأخذ الميثاق عليهم- أى أخرجهم من ذريته على سبيل التوالد بعضهم من بعض- أى أن كلهم بأجمعهم من ظهر آدم الذى هو أصلهم..واشهدهم على أنفسهم بما ركب فيهم من العقل..الذى يكون به الفهم..والتكليف..الذى به يترتب على صاحبه الثواب والعقاب يوم القيامه.

فإن قلت إن ذلك الميثاق لا يذكره أحد اليوم..فكيف يكون حجة عليهم اليوم..أو كيف يذكرونه يوم القيامة..حتى يُحْتَجَّ عليهم به..قلت لما أخرج الذريه من صلب- آدم رَكَّبَ فيهم العقول وأخذ عليهم الميثاق .. فلما أعيدوا إلى صلب آدم .. بطل ما ركب فيهم ..فتوالدوا ناسين لذلك الميثاق .. لاقتضاء الحكمه الإلهيه نسيانهم له..ثم ابتدأهم بالخطاب على ألسنة الرسل عليهم الصلاة والسلام..وأصحاب الشرائع فقام ذلك مقام الذكر .. إذ الدار .. دار تكليف وامتحان .. ولو لم ينسوه .. لانتفت المحنه والإبتلاء والتكليف .. فقامت الحجه عليهم لإمدادهم بالرسل .. وإعلامهم بجريان أخذ الميثاق عليهم- وبذلك قامت الحجه عليهم أيضا يوم القيامه..لإخبار الرسل إياهم بذلك الميثاق فى الدنيا- فمن أنكره كان معاندا ناقضا للعهد..ولزمتهم الحجه..ولم تسقط الحجه عنهم بنسيانهم وعدم حفظهم..بعد إخبار الصادق صاحب الشرع والمعجزات الباهرات.

وقوله تعالى”أو تقولوا” يعنى الذريه” إنما أشرك أباؤنا من قبل” يعنى إنما أخذ الميثاق عليهم..لئلا يقول المشركون إنما أشرك آباؤنا من قبل “وكنا ذرية من بعدهم” يعنى وكنا أتباعا لهم فاقتدينا بهم فى الشرك “أفتُهلكنا” يعنى أفتعذبنا”بما فعل المبطلون” قيل هذا قطع لعذر الكفار..فلا يستطيع أحد من الذرية أن يقول يوم القيامه..إنما أشرك آباؤنا من قبلنا..ونقضوا العهد والميثاق..وكنا نحن الذرية من بعدهم..فقلدناهم واقتدينا بهم..وكنا فى غفلة عن هذا الميثاق..فلا ذنب لنا..فلا يمكنهم أن يحتجوا بمثل ذلك..وقد أخذ عليهم جميعا الميثاق وجاءتهم الرسل وذكَرَّوهم به وثبتت الحجة عليهم بذلك يوم القيامه.

وقوله تعالى”وكذلك نفصل الآيات” يعنى ليتدبرها العباد..فيرجعوا إلى الحق والإيمان- ويعرضوا عن الباطل والكفر- وقيل لعلهم يرجعون عن الشرك إلى التوحيد

قال الإمام القرطبى فى تأويله لهذه الآيات:

قوله تعالى:” وإذ أخذ ربك” أى واذكر لهم ما أخذت من المواثيق يوم الذّرّ- قيل فى معنى الآية: أن الله تعالى أخرج من ظهور بنى آدم..بعضهم من بعض- قالوا: ومعنى “أشهدهم على أنفسهم ألست بربكم” أى دلهم بخلقه على توحيده..لأن كل بالغ يعلم ضرورةً..أن له رباً واحدا أى قال”ألست بربكم؟” فقام ذلك مقام الإشهاد عليهم..والإقرار منهم..كما قال فى السماوات والأرض- “قالتا أتنيا طائعين”

وفى حديث لأبى هريره عن النبى صلى الله عليه وسلم قال:لما خلق الله آدم مسح ظهره فسقط من ظهره كلُّ نسمه هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامه.

وروى عن عبدالله بن عمرو عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال – أخذوا من ظهره كما يؤخذ بالمشط من الرأس.وجعل لهم عقولا كنملة سليمان..وأخذ عليهم العهد بأنه ربهم..وأن لا إله غيره.فأقروا بذلك والتزموه..وأعلمهم بأنه سيبعث إليهم الرسل..فشهد بعضهم على بعض قيل وأشهد عليهم السموات السبع..فليس من أحد يولد إلى يوم القيامه إلا وقد أخذ عليه العهد.

وقيل:الآية عامة لجميع الناس..لأن كل أحد يعلم أنه كان طفلا فُغُذِى وِرُبِّى..وأن له مُدَبِّرا وخالقا..فهذا معنى “وأشهدهم على أنفسهم”ومعنى قوله تعالى” وأشهدهم على أنفسهم قالوا بلى شهدنا” ومعنى ذلك أنهم لما قالوا – بلى- فأقروا له بالربوبيه- قال الله تعالى للملائكة: اشهدوا..قالوا شهدنا بإقراركم لئلا تقولوا..ومعنى قوله تعالى”شهدنا” أى شهدنا أنك ربنا وإلاهنا والمعنى قالوا بلى شهد بعضنا على بعض.

وقد روى عن إبن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال- أخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم..ذرياتهم- كما يؤخذ بالمشط من الرأس فقال لهم ألست بربكم؟ قالوا: بلى- قالت الملائكة شهدنا أن تقولوا- أى شهدنا عليكم بالإقرار بالربوبيه لئلا تقولوا.

وذكر الإمام القرطبى فى تأويله: قوله فى المسأله الثانيه:

ولا يجوز أن يقاس الخلق بالخالق .. ولا تُحَمّلُ أفعال العباد على أفعال الإله – وبالحقيقة الأفعال كلها لله جل جلاله .. والخلق بأجماعهم له صَرّفهم كيف يشاء وحَكَم بينهم بما أراد..وهذا الذى يجده الآدمى إنما تبعث عليه رقة الجبله..وشفقة الجنسيه..وحب الثناء والمدح لما يتوقع فى ذلك من الإنتفاع..والبارى تعالى متقدس عن ذلك كله فلا يجوز أن يعتبر به.

وكل ما قاله الإمام القرطبى صحيح فيما يناسبه- وطاقة الله مطلقه..وقدرته لا يحدها حد فهو على كل شئ قدير- وإنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون.

ولكن الآيات الكريمه فيما يظهر من منطوقها تتعلق بخلق ذرية آدم عليه السلام وتحوله بعد هبوطه إلى الأرض من الخلق التام المباشر على النحو الذى بيناه فى تأملاتنا السابقه تفصيلا..له..ولأمنا حواء- إلى التكاثر والتناسل عن طريق التزاوج والتلقيح الرحمى وما يترتب على ذلك من متغيرات فى مراحل الخلق والتكوين والنمو والإدراك على النحو السابق بيانه تفصيلا- يضاف إلى ذلك ما نشأ عن أسباب هبوط أبنا آدم وأمنا حواء من الجنة إلى الأرض.وهو أن تكون مدة حياتهما وذريتهما على الأرض.فترة امتحان وإبتلاء خلال فترة حياة مؤقته وأجل مقدر واجيال وأقوام يتبع بعضها بعضا- حتى يوم القيامه..فيواجه كل من ذرية آدم مصيره حسب عمله فى الدنيا..إن خيرا فخير وإن شرا فشر ولما كان العمل فى الدنيا يتمركز حول قضية التوحيد..والإيمان أو الكفر وما ينشأ عن كل منهما من الطاعة أو المعصيه- والخير أو الشر- والإصلاح أو الفساد ونحو ذلك.

شاءت أرادة الله سبحانه وتعالى أن يحذر ذرية آدم من أهم الأخطار التى سيواجهونها خلال حياتهم الدنيا ويهديهم إلى الجنة ونعيمها ويقيهم من النار وجحيمها.

وقال ابن كثير فى تأويل الآيه: يخبر الله تعالى أنه استخرج ذرية بنى آدم من أصلابهم شاهدين على أنفسهم أن الله ربهم ومليكهم وأنه لا إله إلا هو..كما أنه تعالى فطرهم على ذلك..وجبلهم عليه قال تعالى- فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التى فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله..ثم ذكر حديث أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- كل مولود يولد على الفطره فأبواه يهودانه..وينصرانه..ويمجسانه كما تولد بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء- ثم روى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:يقول الله إنى خلقت عبادى حنفاء..فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم.ثم ذكر ماسبق ذكره من أحاديث وأدلة ومن بينها حديث أبى بن كعب نعيد ذكره لما تضمنه من عهود وفرائض والتزامات ومواثيق فى قول الله تعالى”وأذ أخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ذرياتهم” الآيات قال فجمعهم له يومئذ جميعا..ما هو كائن منه إلى يوم القيامه فجعلهم فى صورهم..ثم استنطقهم فتكلموا..وأخذ عليهم العهد والميثاق..وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم؟قالوا بلى- الآية قال فإنى أشهد عليكم السموات السبع والأرضين السبع وأشهد عليكم أباكم آدم..أن تقولوا يوم القيامه ولم نعلم بهذا..إعلموا أنه لا إله غيرى..ولا رب غيرى..ولا تشركوا بى شيئا..وإنى سأرسل إليكم رسلا لينذركم عهدى وميثاقى..وأنزل عليكم كتبى..قالوا..نشهد أنك ربنا ..وإلهنا..لا رب لنا غيرك..ولا إله لنا غيرك..فأقروا له يومئذ بالطاعه..ورفع أباهم آدم فنظر إليهم..فرأى فيهم الغنى..والفقير وحسن الصوره..ودون ذلك..فقال يا رب لو سويت بين عبادك؟ قال إنى أحببت أن أشكر- ورأى فيهم الأنبياء مثل السرج عليهم النور- وخصوا بميثاق آخر من الرسالة والنبوه..فهو الذى يقول تعالى (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا {7} )- الأحزاب.

وهو الذى يقول”فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله” الآيه.ومن ذلك قال هذا نذير من النذر الأولى- ومن ذلك قال”وما وجدنا لأكثرهم من عهد”الآيه.

وقال الأستاذ أحمد المراغى فى تأويله للآية:

قوله تعالى”وإذ أخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم؟قالوا بلى شهدنا – أى واذكر أيها الرسول للناس كافة ما أخذه الله من ميثاق الفطرة على البشر عامة..إذ استخرج من بنى آدم ذريتهم بطنا إثر بطن..وخلقهم على فطرة الإسلام..بما أودع فى قلوبهم من غريزة الإيمان اليقينى بأن كل فعل لا بد له من فاعل..وأن فوق كل العوالم القائمة على سنة الأسباب والمسببات سلطانا أعلى على جميع الكائنات..هو المستحق للعبادة وحده..وأشهد كل واحد من هؤلاء الذرية الحادثه..جيلا بعد جيل على نفسه بما أودعه فى غريزته واستعداده قائلا لهم:قول إرادة وتكوين..لا قول وحى وتبليغ:ألست بربكم؟ قالو بلسان الحال..لا بلسان المقال:بلى أنت ربنا المستحق وحدك للعبادة..كقوله تعالى بعد ذكر خلق السماء- فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين- وقوله”إنما أمرنا لشئ إذا أردناه أن نقول له كن فيكون”

ثانيا أحكام الأمانة:

قال الله تعالى فى سورة الأحزاب:

(إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا {72} لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {73} )

والمعنى:

تفسير المفردات: من تفسير المراغى.

العرض هنا: النظر إلى استعداد السموات والأرض.

والأمانه: كل ما يؤتمن عليه المرء من أمر ونهى فى شئون الدين والدنيا..والمراد به هنا..التكاليف الدينيه..وسميت أمانه..من قبل أنها حقوق أوجبها الله على المكلفين وائتمنهم عليها..وأوجب عليهم تلقيها بالطاعة والانقياد..وأمرهم بالمحافظة عليها..وأدائها..دون الإخلال بشئ منها.

فأبين:أى كن غير مستعدات لها.

وحملها الإنسان: أى كان مستعدا لها.

  • إن كان ظلوما:أى كثير الظلم لما غلب عليه من القوة الغضبيه.
  • جهولا:أى كثير الجهل لعواقب الأموار لما غلب عليه من القوة الشهوية.

ب- المختصر التفسيرى:

يسبق آيتى الأمانه بمعناهما الشامل قول الله تعالى:- (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا {70} يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا {71} ) والآيتان تحثان على الوفاء بما جاء فى آيتى الأمانه من تكليف- ومعناهما: يا أيها الذين آمنو بالله .. وعملوا بما شرعه لهم .. اتقوا الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه .. وقولوا قولا صوابا صدقا- إنكم أن اتقيتم الله..وقلتم قولا صوابا..أصلح لكم أعمالكم..وتقبلها منكم..ومحا عنكم ذنوبكم فلا يؤاخذكم بها..ومن يطع الله ورسوله..فقد فاز فوزا عظيماً لا يدانيه أى فوز..وهو الفوز برضا الله ودخول الجنة .. ثم اتبع ذلك بمعنى آيتى الأمانه فقال:إنا عرضنا..التكاليف الشرعيه .. وما يحفظ من أموال وأسرار .. على السماوات وعلى الأرض وعلى الجبال .. فامتنعن من حملها..وخفنا من عاقبته..وحملها الإنسان..إنه كان ظلوما لنفسه..جهولا بعقابة حملها..حملها الإنسان بقدر من الله..ليعذب الله المنافقين من الرجال والمنافقات من النساء..والمشركين من الرجال..والمشركات من النساء على نفاقهم وشركهم بالله..وليتوب الله على المؤمنين والمؤمنات الذين أحسنوا حمل أمانة التكاليف..وكان الله غفورا لذنوب من تاب من عباده رحيما بهم.

ج- المختصر الإجمالى:

قال الإمام الطبرى:القول فى تأويل قوله تعالى: إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقنا منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا.
قال: اختلف فى معنى ذلك..فقال بعض أهل التأويل معناه: أن الله عرض طاعته وفرائضه على السموات والأرض والجبال على أنها إن أحسنت أثيبت وجوزيت وإن ضيعت عوقبت..فأبت حملها شفقا منها أن لا تقوم بالواجب عليها..وحملها آدم إنه كان ظلوما لنفسه..جهولا بالذى فيه الحظ له وقيل:الأمانه: الفرائض التى افترضها الله على عباده..وفى تأويل قوله تعالى”ليعذب الله المنافقين والمنافقات .. والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات .. وكان الله غفورا رحيما- يقول تعالى ذكره : وحمل الإنسان الأمانه كيما يعذب الله المنافقين فيها .. الذين يظهرون أنهم يؤدون فرائض الله..مؤمنين بها..وهم مستسرون الكفر بها..والمنافقات والمشركين بالله فى عبادتهم إياه الآلهة والأوثان .. والمشركات .. ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات..يرجع بهم إلى طاعته..وأداء الأمانات التى الزمهم إياها حتى يؤدوها..وكان الله غفورا لذنوب المؤمنين والمؤمنات بستره عليها وتركه عقابهم عليها رحيما أن يعذبهم عليها بعد توباتهم منها وبنحو الذى قاله قال أهل التأويل.

*قال الإمامان البغوى والبغدادى فى تأويل قول الله عز وجل إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال- قال ابن عباس: أراد بالأمانه الطاعه والفرائض التى فرضها الله على عباده عرضها على السموات والأرض والجبال على أنهم إذا أدوها أثابهم وان ضيعوها عذبهم.

وقال ابن مسعود: الأمانة: أداء الصلوات..وإيتاء الزكاة.. وصوم رمضان..وحج البيت..وصدق الحديث..وقضاء الدين والعدل فى المكيال والميزان..وأشد من هذا كله الودائع..وقيل جميع ما أمروا به ونهوا عنه- وقيل:هى الصوم..وغسل الجنابه..وما يخفى من الشرائع وقيل العرض على السموات والأرض والجبال تخييرا لا إلزاما..ولو الزمهن لم يمتنعن من حملها..والجمادات كلها خاضعه لله عز وجل..مطيعة لأمره..ساجدة له.

ومعنى قوله تعالى”فأبين أن يحملنها وأشفقن منها” أى خفن من الأمانه أن لايؤدينها فيلحقهن العقاب- وحملها الإنسان- يعنى آدم- إنه كان ظلوما جهولا- قال ابن عباس: أنه كان ظلوما لنفسه..جهولا بأمر ربه..وما تحمل من الأمانه.

وقوله تعالى”ليعذب الله المنافقين والمنافقات..والمشركين والمشركات”أى بما خانو الأمانه ونقضوا العهد “ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات” أى يهديهم ويرحمهم بما أدوا من الأمانه.

وقيل: عرضنا الأمانه ليظهر نفاق المنافق وشرك المشرك فيعذبهما الله..ويظهر إيمان المؤمن فيتوب عليه ..أى يعود عليه بالرحمة والمغفرة إن حصل منه تقصير فى بعض الطاعات وكان الله غفورا رحيما- والله أعلم بمراده وأسرار كتابه.

وكما قال الإمام الطبرى فى ختام تأويله- وبنحو الذى قاله قال أهل التأويل فذكر أقوال بعضهم.

*قال الإمام القرطبى:

  • لما بين تعالى فى هذه السوره- أى سورة الأحزاب- من الأحكام مابين..أمر بالتزام أوامره..والأمانه تعم جميع وظائف الدين- أى أوامره ونواهيه وتكاليفه الشرعية- وروى عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- قال الله تعالى لآدم- يا آدم إنى عرضت الأمانه على السموات والأرض فلم تطقها..فهل أنت حاملها بما فيها؟ فقال:وما فيها يارب؟قال: إن حملتَها أُجِرت..وإن ضيّعتها عُذِّبت..فاحتملها بما فيها..فلم يلبث فى الجنة إلا قدر مابين الصلاة الأولى إلى العصر حتى أخرجه الشيطان منها.

فالأمانه هى الفرائض التى ائتمن الله عليها العباد- ووفقا لهذا المعنى:ألا يعتبر من الأمانه الأمر الذى تلقاه آدم بعدم الأكل من الشجره التى نهاه الله عن الأكل منها؟وتحذير الله لآدم من الشيطان وإخباره أنها عدو له وأنه يريد إخراجه من الجنة؟ أليس هذا تكليفا شرعيا يتلقاه آدم قبيل تلقيه أمر الهبوط إلى الأرض؟ثم ذكرالقرطبى بعض أنواع الأمانه:كأمانة المال وأمانه المرأة على فرجها..وأمانه الصلاه والصيام..وائتمان آدم ابنه قابيل على ولده وأهله وأعضاء الإنسان كالفرج .. والأذن .. والعين .. واللسان .. والبطن .. واليد .. والرجل. وخيانة قابيل للأمانة بقتله أخاه وغير ذلك .

وقال القرطبى إن هذه الأمانه لها ثواب وعليها عقاب..وعرضها الله على السموات والأرض والجبال..فلم تطق حملها..وحملتها أنت فهى فى عنقك وفى أعناق ذريتك إلى يوم القيامه- قالى تعالى”وحملها الإنسان” أى التزم القيام بحقها..وهو فى ذلك ظلوم لنفسه..جهول بغدر ما دخل فيه والآية فى الكافر- والمنافق والعصاة على قدرهم ليعذب الله المنافقين والمنافقات..والمشركين والمشركات..أى حملها ليعذب العاصى ويثيب المطيع- لأن العذاب نتيجه حمل الأمانه- أى عرضنا الأمانه على الجميع ثم قلدناها الإنسان ليظهر شرك المشرك..ونفاق المنافق..ليعذبهم الله..وإيمان المؤمن ليثيبه الله..ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفورا رحيما.

*وقال الإمام ابن كثير:

قال الله لآدم: إنى قد عرضت الأمانة على السموات والأرض والجبال فلم يُطقنها فهل أنت آخذها بما فيها؟قال يارب وما فيها؟قال: إن أحسنت جوزيت وإن أسأت عوقبت..فأخذها آدم فتحملها فذلك قوله تعالى” وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا”وقيل: الأمانه هى الفرائض.. وقيل هى الطاعه- وقيل: المرأة اؤتمنت على فرجها..وقيل: الأمانه: الدَّين..والفرائض..والحدود- وقيل: الأمانه- الصلاة والصوم والإغتسال من الجنابه- وكل هذه الأقوال لا تَنَافى بينها..بل هى متفقة وراجعه إلى أنها التكليف وقبول الأوامر والنواهى بشرطها..وهو أنه إن قام بذلك أُثيب وإن تركها عوقب..فقبلها الإنسان..على ضعفه وجهله وظلمه إلا من وفق الله وبالله المستعان.

وقيل:إن الله تعالى حين خلق خلقه .. جمع بين .. الإنس. . والجن .. والسموات والأرض والجبال .. فبدأ بالسموات فعرض عليهن الأمانه وهى الطاعه فقال لهن..أتحملن هذه الأمانه..ولكن على الفضل..والكرامة..والثوب فى الجنة؟ فقلنا يارب إنا لا نستطيع هذا الأمر..وليس بنا قوة..ولكنا لك مطيعين..ثم عرض الأمانة على الأرضيين فقال لهن أتحملن هذه الأمانه..ولكن على الفضل والكرامه والثواب فى الجنه؟فقلنا يارب إنا لا نستطيع هذا الأمر..وليس بنا قوة..ولكنا لك مطيعين.. ثم عرض الأمانه على الأرضين فقال لهن:أتحملنا هذه الأمانه..وتقبلنها منى وأعطيكن الفضل والكرامه فى الدنيا؟ فقلنا: لا صبر لنا على هذا يارب ولا نطيق..ولكنا سامعين مطيعين لا نعصيك فى شئ أمرتنا به ثم قرب آدم..فقال له أتحمل هذه الأمانة وترعاها حق رعايتها؟ فقال عند ذلك آدم ما لى عندك؟ قال ياآدم: إن أحسنت وأطعت ورعيت الأمانه..فلك عندى الكرامه والفضل وحسن الثواب فى الجنة..وإن عصيت ولم ترعها حق رعايتها..وأسات فإنى معذبك..ومعاقبك وأنزلك النار..قال: رضيت يارب وتحملها فقال الله عز وجل عند ذلك: قد حملتُكها ..فذلك قوله تعالى”وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا” يعنى غرا بأمر الله- كما أوله ابن كثيروقال: الأمانه فى الصلاة..والأمانه فى الصوم..والأمانه فى الوضوء..والأمانه فى الحديث..وأشد ذلك الودائع..

وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:أربع إذا كن فيك فلا عليك مافاتك من الدنيا..حفظ أمانه..وصدق حديث..وحسن خليقه..وعفة طعمة..ثم قال:

قوله تعالى” ليعذب الله المنافقين والمنافقات..والمشركين والمشركات”أى إنما حمل بنى آدم الأمانه .. وهى التكاليف ..ليعذب الله المنافقين منهم والمنافقات .. وهم الذين يظهرون الإيمان خوفا من أهله.. ويبطنون الكفر متابعة لأهله”والمشركين والمشركات” وهم الذين ظاهرهم .. وباطنهم على الشرك بالله ومخالفة رسله “ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات”أى وليرحم المؤمنين من الخلق الذين آمنو بالله وملائكته..وكتبه..ورسله..العاملين بطاعته – وكان الله غفورا رحيما.

*وقال الإمام محمد بن على الشوكانى فى- فتح القدير:

لما فرغ الله سبحانه من بيان ما لأهل الطاعة من الخير بعد بيان ما لأهل المعصية من العذاب بين عظم شأن التكاليف الشرعية وصعوبة أمرها فقال-:أنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها.

واختلف فى تفسير هذه الأمانه- فقيل معنى الأمانه ههنا فى قول جميع المفسرين: الطاعة والفرائض التى يتعلق بأدائها الثواب وبتضييعها العقاب- قال القرطبى: والأمانه تعم جميع وظائف الدين على الصحيح من الأقوال..وهو قول الجمهور.وقيل:إن الأمانه عرضت على السموات والأرض والجبال فقالت:وما فيها؟ فقال لها إن أحسنت آجرتك وإن أسأت عذبتك..فقالت: لا .. قيل فلما خلق الله آدم عرضها عليه..وقيل له ذلك فقال: قد تحملتها- ومعنى حملها الإنسان- أى التزم بحقها..وهو فى ذلك ظلوم لنفسه جهولا لم يلزمه أو جهول لقدر ما دخل فيه وقيل معنى حملها: كلفها وألزمها..أوصار مستعدا لها بالفطرة..أو حملها عند عرضها عليه فى عالم الذّر عند خروج ذرية آدم من ظهره وأخذ الميثاق عليهم. وقوله تعالى:”ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات” أى حملها الإنسان ليعذب الله العاصى..ويثيب المطيع.وقيل: ليعذبهم بما خانوا من الأمانه..وكذبوا من الرسل ونقضوا من الميثاق الذى أقرّوا به حين أخرجوا من ظهر آدم- وقيل هؤلاء المعذبون هم الذين خانوها..وهؤلاء الذين يتوب الله عليهم هم الذين أدَّوها.وقيل: أى عرضنا ذلك ليظهر نفاق المنافق..وشرك المشرك..فيعذبهم الله..ويظهر إيمان المؤمن فيتوب الله عليه..أى يعود عليه بالمغفرة والرحمه إن حصل منه تقصير فى بعض الطاعات وكان الله غفورا رحيما..أى كثير المغفرة والرحمة للمؤمنين من عباده إذا قصروا فى شئ مما يجب عليهم.

ثالثا: ميثاق الأنبياء والرسل وأحكامه.

قال الله تعالى فى سورة آل عمران: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ {81} فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ {82})

والمعنى:

تفسير المفردات:

الميثاق: العهد المؤكد الموثق..وهو أن يلتزم المعاهِد- بكسر الهاء- للمعاهَد- بفتح الهاء- أن يفعل شيئا..ويؤكد ذلك بيمين أو بصيغة مؤكدة..من ألفاظ المعاهدة..أو المواثقة. أقررتم من قّر الشئ: إذا ثبت ولزم قرارة مكانه..

وأخذتم : أى قبلتم

والإصر: العهد المؤكد الذى يمنع صاحبه من التهاون..فيما التزمه وعاهد عليه- وفق ماجاء بتفسير المراغى.

المختصر التفسيرى :

يقول الله تعالى – وأذكر- أيها الرسول حين أخذ الله..العهد المؤكد..على النبيين قائلا لهم: مهما أعطيتكم من كتاب أنزله عليكم..وحِكمة أعلمكم إياها..وبلغ أحدكم ما بلغ من المكانة والمنزلة..ثم جاءكم رسول من عندى- وهو محمد صلى الله عليه وسلم – مصدق لما معكم من الكتاب والحكمة..لتؤمنن بما جاء به..ولتنصرنه متبعين له – فهل أقررتم- أيها الأنبياء-بذلك وأخذتم على ذلك عهدى الشديد؟ فأجابوا قائلين: أقررنا به..قال الله: اشهدوا على أنفسكم وعلى أممكم..وأنا معكم من الشاهدين عليكم وعليهم- فمن أعرض بعد هذا العهد المؤكد بالشهادة من الله ورسله فأولئك هم الخارجون عن دين الله وطاعته

ج- المختصر الإجمالى: قال الإمام الطبرى:

القول فى تأويل قوله عز وجل “وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة..ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتمؤمنن به ولتنصرنه” يعنى بذلك جل ثناؤه: واذكروا يا أهل الكتاب إذ أخذ الله ميثاق النبيين- يعنى حين أخذ الله ميثاق النبيين..وميثاقهم: ما وثقوا به على أنفسهم طاعة الله فيما أمرهم ونهاهم..وبعد ذكره إختلف القراء فى فتح اللام فى لما أو كسرها قال: وكان تاويل الكلام : وإذ أخذ الله ميثاق النبيين من أجل الذى آتاهم من كتاب وحكمه..”ثم جاءكم رسول” يعنى :ثم إن جاءكم رسول..يعنى ذكر محمد فى التوراه..لتؤمنن به: أى ليكوننا إيمانكم به للذى عندكم فى التوراة من ذكره.

وقال قتاده: هذا ميثاق أخذه الله على النبيين أن يصدق بعضهم بعضا..وأن يبلغوا كتاب الله ورسالاته..فبلغت الأنبياء كتاب الله ورسالاته..إلى قومهم وأخذ عليهم..فيما بلغتهم رسلهم أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ويصدقوه وينصروه..ثم قال: وأولى الأقوال فى ذلك بالصواب قول من قال معنى ذلك الخبر عن أخذ الله الميثاق من أنبيائه بتصديق بعضهم بعضا..وأخذ الأنبياء على أممها..وتباعها الميثاق بنحو الذى أخذ عليها ربها من تصديق أنبياء الله ورسله بما جاءتها به..لأن الأنبياء عليهم السلام.. بذلك أرسلت إلى أُمَمِها..ولم يدّع أحد ممن صدق المرسلين أن نبيا أرسل إلى أمة بتكذيب أحد من انبياء الله عز وجل..وحججه فى عباده بل كلها..مقرة بأن من ثبتت صحة نبوته فعليها الدينونة بتصدقه فذلك ميثاق مُقِّر به جميعهم.

وتأويل قوله تعالى” قال أأقررتم وأخذ تم على ذلكم إصرى قالوا أقررنا- يعنى: وإذا أخذا الله ميثاق النبيين بما ذكر..فقال لهم تعالى ذكره..أقررتم بالميثاق الذى واثقتمونى عليه من أنكم مهما أتاكم رسول من عندى مصدق لما معكم..لتؤمنن به..ولتنصرنه ..وأخذتم على ذلكم إصرى..يقول وأخذتم على ماواثقتمونى عليه من الإيمان بالرسل التى تأتيكم بتصديق مامعكم من عندى والقيام بنصرتهم.

إصرى: يعنى عهدى ووصيتى.. وقبلتم فى ذلك منى ورضيتموه- والأخذ هو القبول فى هذا الموضع وأما قوله :قالوا أقررنا فإنه يعنى به قال النبيون الذين أخذ الله ميثاقهم بما ذكر فى هذه الآيه: أقررنا بما ألزمتنا من الإيمان برسلك الذين ترسلهم مصدقين لما معنا من كتبك وبنصراتهم.

وتأويل قوله تعالى”قال فاشهدوا وانا معكم من الشاهدين” يعنى بذلك فاشهدوا أيها النبيون بما أخذتُ به ميثاقكم من الإيمان بتصديق رسلى التى تأتيكم بتصديق ما معكم من الكتاب والحكمه..ونصرتهم على أنفسكم وعلى أتباعكم من الأمم إذا أنتم أخذتم ميثاقهم على ذلك..وأنا معكم من الشاهدين عليكم وعليهم بذلك.

وتأويل قوله تعالى”فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون”يعنى بذلك جل ثناؤه: فمن أعرض عن الإيمان برسلى الذين أرسلتهم بتصديق ما كان مع أنبيائى من الكتب والحكمه..وعن نصرتهم..فَأَدْبَرَ..ولم يؤمن بذلك ولم ينصر..ونكث عهده وميثاقه بعد ذلك..يعنى العهد والميثاق الذين أخِذَه الله عليه فأولئك هم الفاسقون..يعنى بذلك:أن المتولين عن الإيمان بالرسل الذين وصف أمرهم ونصرتهم..بعد العهد والميثاق اللذين أَخذا عليهم بذلك هم الفاسقون يعنى بذلك الخارجون من دين الله وطاعة ربهم.

وقيل عن على بن أبى طالب قال فمن تولى عنك يامحمد بعد هذا العهد من جميع الأمم فأولئك هم الفاسقون.. هم العاصون.

*وقال الإمامان البغوى والبغدادى:واذكرو إذا اخذ الله- يعنى حين أخذ الله ميثاق النبيين- وأصل الميثاق فى اللغة عقد يؤكد بيمين.ومعنى ميثاق النبيين: ما واثقوا به على أنفسهم من طاعة الله فيما أمرهم به..ونهاهم عنه.. وذكروا فى معنى أخذ الميثاق وجهين: أحدهم أنه مأخوذ من الأنبياء والثانى أنه مأخوذ لهم من غيرهم.فذهب قوم إلى أن الله تعالى أخذ الميثاق من النبيين خاصة..قبل أن يبلغوا كتاب الله ورسالاته إلى عباده..أن يصدق بعضهم بعضا..وأخذ العهد على كل نبى أن يؤمن بمن يأتى بعده من الأنبياء وينصره إن أدركه..وإن لم يدركه أن يأمر قومه بنصرته إن أدركوه..فأخذ الميثاق من موسى أن يؤمن بعيسى..ومن عيسى أن يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم..وعليهم أجمعين.

وقيل: أخذ الله الميثاق على النبيين وأممهم جميعا فى أمر محمد صلى الله عليه وسلم..فاكتفى بذكر الأنبياء لأن العهد مع المتبوع عهد مع الأتباع.وقيل ما بعث الله نبيا..آدم ..فمن بعده إلا أخذ عليه العهد فى أمر محمد صلى الله عليه وسلم..وأخذ هو العهد على قومه ليُؤْمِنُنَّ به..ولئن بعث وهم أحياء لينصرنه.. ولأن أخذ الميثاق بمنزلة الإستحلاف فكان معنى الآيه وإذا استحلف الله النبيين للذى أتاهم من كتابه وحكمتة متى جاءهم رسول مصدق لما معهم..ليئومنن به..ولينصرنه—وقوله – ثم جاءكم رسول يعنى محمد صلى الله عليه وسلم- مصدقا لما معكم” وذلك أن الله وصفه فى كتب الأنبياء المتقدمه..وشرح فيها أحواله..فإذا جاءت صفاته وأحواله مطابقة لما فى كتبهم المنزله فقد صار مصدقا لها..فيجب الإيمان به..والإنقياد لقوله- لتؤمنن به- لام القسم ..تقديره..والله لتؤمنن به..ولتنصرنه- قال البغوى قال الله عز وجل للأنبياء حين استخرج الذرية من صلب آدم..والأنبياء فيهم كالمصابيح..أخذ عليهم الميثاق فى أمر محمد صلى الله عليه وسلم -أأقرتم وأخذتم على ذلكم إصرى- قالوا..أقررنا..قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين- أى قبلتم على ذلكم عهدى..والإصر العهد الثقيل- قالوا أقررنا- أى قال النبيون أقررنا بما ألزمتنا من الإيمان برسلك الذين ترسلهم مصدقين لما معنا من كتبك- قال فاشهدوا..يعنى قال الله عز وجل للنبيين..فاشهدوا يعنى أنتم على أنفسكم..وقيل على أممكم وأتباعكم الذين أخذتم عليهم الميثاق..وقيل: قال الله للملائكة فاشهدوا..وقيل معناه فاعلموا وبينوا لأن أصل الشهادة العلم والبيان – وأنا معكم من الشاهدين..يعنى قال الله يا معشر الأنبياء وأنا معكم من الشاهدين عليكم- يعنى وأنا معكم من الشاهدين عليكم وعلى أتباعكم- أو قال للملائكة وأنا معكم من الشاهدين عليهم- فمن تولى أى أعرض عن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم ونصرته بعد ذلك -الإقرار- فأولئك هم الفاسقون- أى الخارجون عن الإيمان والطاعة.

*وقال الإمام القرطبى:

قيل:أخذ الله تعالى ميثاق الأنبياء أن يصدق بعضهم بعضا..ويأمر بعضهم بالإيمان بعضا..فذلك معنى النُّصرة بالتصديق.وقيل أخذ الله الميثاق الأول من الأنبياء أن يؤمن بما جاء به الآخِر وقيل:إذا أخذ الله ميثاق النبيين..فقد أخذ ميثاق الذين معهم لأنهم قد اتبعوهم- وصدقهم -وما- فى قوله- لما- بمعنى الذى .وقوله تعالى:”ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤْمِنُن به ولتنصرنه..الرسول هنا محمد صلى الله عليه وسلم- فأخذ الله ميثاق النبيين أجمعين أن يؤمنوا بمحمد عليه السلام..وينصروه إن أدركوه..وأمرهم أن يأخذوا بذلك الميثاق على أممهم..واللام من قوله- لتؤمنن به- جواب القسم الذى هو أخذ الميثاق..إذ هو بمنزلة الإستحلاف كانك قلت استحلفك..واللام فى- لتؤمنن به- جواب قسم محذوف.. أى والله لتؤمنن به.

وقرأ أهل الكوفه- لِمَا آتيتكم بكسر اللام..وهى أيضا بمعنى الذى وهى متعلقه بأخذ..أى أخذ الله ميثاقهم لأجل الذى آتاهم من كتاب وحكمه..ثم إن جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به من بعد الميثاق لأن أخذ الميثاق فى معنى الاستحلاف- كما سبق.والمراد أخذ ميثاق جميع الأنبياء..فمن لم يؤت الكتاب..فهو فى حكم من أوتى الكتاب..لأنه أوتى الحُكم والنبوه..وأيضا من لم يؤت الكتاب أُمر بأن يأخذ بكتاب من قبله..فدخل تحت صفة من أوتى الكتاب.

قوله تعالى”أأقرتم وأخذتم على ذلكم إصرى قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين.أقررتم- من الإقرار..والإصر هو العهد..والإصر فى اللغه الثِّقْل..فسمى العهد إصرا لأنه منع وتشديد قال فاشهدوا- أى اعلموا- لأن الشاهد هو الذى يصحح دعوى المدعى.وقيل:المعنى: اشهدوا أنتم على أنفسكم وعلى أتباعكم..وأنا معكم من الشاهدين- عليكم وعليهم. وقيل قال الله عز وجل للملائكة فاشهدوا عليهم.

*يقول ابن كثير:

رضى الله عنه..وجزاه الله عنا وعن الإسلام وعن المسلمين وعن خاتم الأنبياء والمرسلين كل الخير وكل الرضا بما أضاف لنا من علم ومعرفة وحسن بيان وألحقنا به فى فسيح جناته- اللهم آمين-

يقول: يخبر الله- تعالى أنه أخذ ميثاق كل نبى بعثه من لدن آدم عليه السلام إلى عيسى عليه السلام..لمهما..آتى الله أحدهم من كتاب وحكمة..وبلغ أى مبلغ..ثم جاء رسول من بعده ليؤمنن به ولينصرنه..ولا يمنعه ماهو فيه من العلم والنبوة..من اتباع من بعث بعده ونصرته..ولهذا قال تعالى وتقدس-“وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة” أى لمهما أعطيتكم من كتاب وحكمة. ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه..قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصرى- يعنى عهدى- وقيل: إصرى- أى ثقل ما حملتم من عهدى..أى ميثاقى الشديد المؤكد- قالوا أقررنا..قال..فاشهدوا..وأنا معكم من الشاهدين..فمن تولى بعد ذلك- أى عن هذا العهد والميثاق- فأولئك هم الفاسقون- قال على بن أبى طالب..وابن عمه عباس رضى الله عنهما..ما بعث الله نبيا من الأنبياء إلا أخذ عليه الميثاق..لئن بعث الله محمدا وهو حى ليؤمنن به..ولينصرنه..وأمره أن يأخذ الميثاق على أمته لئن بعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه

وقيل: أخذ الله ميثاق النبيين..أن يصدق بعضهم بعضا..وهذا لا يضاد ما قاله: على وابن عباس- ولا ينفيه بل يستلزمه ويقتضيه.

وروى ابن كثير قول النبى صلى الله عليه وسلم فى بعض الأحاديث: لو كان موسى وعيسى حيين لما وسعهما إلا إتباعى- فالرسول محمد خاتم الأنبياء صلوات الله..وسلامه عليه..دائما إلى يوم الدين هو الإمام الأعظم الذى لو وجد فى أى عصر وجد..لكان هو الواجب الطاعه المقدم  على الأنبياء كلهم ..ولهذا كان إمامهم..ليلة الإسراء..لما اجتمعوا ببيت المقدس..وكذلك هو الشفيع فى المحشر فى إتيان الرب جل جلاله لفصل القضاء بين عباده..وهو المقام المحمود الذى لا يليق إلا له ..والذى يحيد عنه أولو العزم من الأنبياء والمرسلين حتى تنتهى النوبه إليه..فيكون هو المخصوص به صلوات الله وسلامه عليه. 

2- قال الله تعالى فى سورة الأحزاب : (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا {7} لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا {8})

والمعنى:

المختصر التفسيرى:

يقول الله تعالى مخاطبا نبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم: واذكر- أيها الرسول- إذ أخذنا من الأنبياء عهدا مؤكدا:أن يعبدو الله وحده..ولا يشركوا به شيئا..وأن يبلغوا ما أنزل إليهم من الوحى..وأخذناه على وجه الخصوص: منك..ومن نوح..وإبراهيم..وموسى .. وعيسى بن مريم .. 

أخذنا منهم عهدا مؤكدا على الوفاء بما ائتمنوا عليه من تبليغ رسالات الله أخذ الله هذا العهد المؤكد من الأنبياء..ليسأل الصادقين من الرسل عن صدقهم.تَبْكيتا للكافرين..وأعد الله للكافرين به .. وبرسله .. يوم القيامه عذابا موجعا هو نار جهنم.

ب- المختصر الاجمالى :

قال الإمام الطبرى:

القول فى تأويل قوله تعالى:- وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم..ومنك..ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا..يقول تعالى ذكره..كان ذلك فى الكتاب مسطورا- إذ كتبنا كل ماهو كائن فى الكتاب..وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم..وكان ذلك أيضا فى الكتاب مسطورا..ويعنى بالميثاق العهد..ومنك يا محمد..ومن نوح..وابراهيم..وموسى وعيسى بن مريم..وأخذنا منهم ميثاقا غليظا- يقول وأخذنا من جميعهم عهدا مؤكدا أن يصدق بعضهم بعضا..وذكر لنا أن نبى الله محمد صلى الله عليه وسلم كان يقول: كنت أول الأنبياء فى الخلق وآخرهم فى البعث وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا..ميثاق أخذه الله على النبيين خصوصا..أن يصدّق بعضهم بعضا..وأن يتبع بعضهم بعضا.

قال والقول فى قوله تعالى”ليسأل الصادقين عن صدقهم وأعدّ للكافرين عذابا أليما” يقول تعالى ذكره أخذنا من هؤلاء الأنبياء ميثاقهم..كيما أسال المرسلين عما أجابتهم به أممهم..وما فعل قومهم فيما أبلغوهم عن ربهم من الرساله.

*وقال الإمامان البغوى والبغدادى:

قوله تعالى :”وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم”أى على الوفاء بما حملوا وأن يصدق بعضهم بعضا..ويبشر بعضهم بعضا..وقيل: على أن يعبدوا الله..ويدعو الناس إلى عبادته..وينصحوا لقومهم- ومنك- يعنى يامحمد- ومن نوح وإبراهيم..وموسى..وعيسى ابن مريم- خص هؤلاء الخمسه بالذكر من بين النبيين..لأنهم أصحاب الكتب..والشرائع..وأولى العزم من الرسل – وقدم النبى صلى الله عليه وسلم فى الذكر تشريفا له وتفضيلا..ولما روى عن أبى هريرة قال: أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:- كنت أول النبيين فى الخلق..وآخرهم فى البعث..وذلك قول الله عز وجل- وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح- فبدأ به صلى الله عليه وسلم قبلهم- وأخذنا منهم ميثاقا غليظا- أى عهدا شديدا على الوفاء بما حملوا من تبليغ الرسالة- ليسأل الصدقين عن صدقهم..يعنى أخذ ميثاقهم..لكى..يسأل الصادقين يعنى النبيين عن تبليغهم الرسالة…والحكمة فى سؤالهم مع علمه سبحانه وتعالى أنهم صادقون..تبكيت من أرسلوا إليهم..وقيل:ليسأل الصادقين عن صدقهم .. عن عملهم لله عز وجل..وقيل: ليسأل الصادقين بأفواههم.. عن صدقهم فى قلوبهم..وأعد للكافرين عذابا أليما.

*قال الإمام القرطبى :

قوله تعالى”وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم” أى عهدهم على الوفاء بما حُمّلوا..وأن يبشر بعضهم ببعض..ويصدق بعضهم بعضا..أى كان مسطورا حين كتب الله ماهو كائن..وحين أخذ الله تعالى المواثيق من الأنبياء..ومنك- يامحمد- ومن نوح..وإبراهيم..وموسى..وعيسى بن مريم وإنما خص هؤلاء الخمسة وإن دخلوا فى زمرة النبيين تفضيلا لهم.

وقيل: لأنهم أصحاب الشرائع والكتب..وأولُو العزم من الرسل..وأئمة الأمم- ويحتمل أن يكون هذا تعظيما فى قطع الولايه بين المسلمين والكافرين- أى هذا مما لم تختلف فيه الشرائع..أى شرائع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام- أى كان فى ابتداء الإسلام توارث بالهجرة..والهجره سبب متأكد فى الديانه..ثم توراثوا بالقرابة مع الإيمان وهو سبب وكيد..فأما التوارث بين مؤمن وكافر فلم يكن فى دين أحد من الأنبياء الذين أخذ عليهم المواثيق- فلا تُداهنوا فى الدين..ولا تمالئوا الكفار.

وقيل :أى النبى أؤلى بالمؤمنين من أنفسهم..كان ذلك فى الكتاب مسطورا..ومأخوذا به المواثيق من الأنبياء.

وقوله تعالى:” وأخذنا منهم ميثاقا غليظا” أى عهدا وثيقا عظيما على الوفاء بما التزموا من تبيلغ الرسالة..وأن يصدق بعضهم بعضا والميثاق هو اليمين بالله تعالى

فالميثاق الثانى تأكيد للميثاق الأول باليمين. 

وقيل: الأول هو الإقرار بالله تعالى..والثانى فى أمر النبوه..ونظير هذا قوله تعالى ” وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه..قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصرى..قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين..أى أخذ عليهم أن يُعلِنُوا أن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم..ويعلن محمد صلى الله عليه وسلم أن لا نبى بعده..وقدم محمدا فى الذكر..لما روى عن أبى هريره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن قوله تعالى وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح..قال :كنت أولهم فى الخلق وآخرهم فى البعث .وقال مجاهد: هذا فى ظهر آدم عليه الصلاة السلام.

يزيده إيضاحا:قول الله تعالى:- ( شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ {13} ) الشورى

يقول الإمام القرطبى فى تأويله:

  • شرع لكم من الدين- أى الذى له مقاليد السموات والأرض شرع لكم من الدين ما شرع لقوم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى- ثم بين ذلك بقوله تعالى- أن أقيموا الدين- وهو توحيد الله وطاعته..والإيمان برسله وكتبه وبيوم الجزاء- وهو ما أخذ عليه الميثاق الأول- من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم واشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا.

*قال الإمام محمد بن على الشوكانى فى تفسيره فتح القدير..

قال قتاده: أخذ الله الميثاق على النبيين خصوصا أن يُصدِّق بعضهم بعضا..ويتبع بعضهم بعضا..وقال مقاتل: أخذ ميثاقهم على أن يعبدوا الله..ويدعوا إلى عبادة الله..وأن يُصدِّق بعضهم بعضا..وأن ينصحوا لقومهم- والميثاق هو اليمين..وقيل هو: الإقرار بالله- ثم خصص سبحانه بعض النبيين بالذكر بعد التعميم الشامل لهم ولغيرهم فقال:ومنك..ومن نوح..وإبراهيم..وموسى ..وعيسى بن مريم- ووَجْه تخصيصهم بالذكر الاعلام بأن لهم مزيد شرف وفضل..لكونهم من أصحاب الشرائع المشهورة..ومن أولى العزم من الرسل..وتقديم ذكر نبينا صلى الله عليه وسلم مع تأخر زمانه..فيه من التشريف له..والتعظيم مالا يخفى..

قال الزجاج: وأخذ الميثاق حيث أخرجوا من صلب آدم- الذّر- ثم أكد ما أخذه على النبيين من الميثاق بتكرير ذكره ووصفه بالغلظ فقال:- وأخذنا منهم ميثاقا غليظا- أى عهدا شديدا على الوفاء بما حملوا..وما أخذه الله عليهم- ويجوز أن يكون قد أخذ الله عليهم الميثاق مرتين..فأخذ عليهم فى المرّة الأولى مجرد الميثاق بدون تغليظ ولاتشدد..ثم أخذه عليهم ثانيا مغلظا مشددا..ومثل هذه الآية قوله” وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة..ثم جاءكم رسول مصدقا لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه”واللام فى قوله- ليسأل الصادقين عن صدقهم- يجوز أن تكون لام كى: أى لكى يسأل الصادقين من النبيين عن صدقهم فى تبيلغ الرساله إلى قومهم..وفى هذا وعيد لغيرهم..لأنهم إذا كانوا يسألون عن ذلك فكيف غيرهم- وقيل ليسأل الانبياء عما أجابهم به قومهم- ويجوز أن يكون معطوفا على أخذنا..لأن المعنى:أكّد على الأنبياء الدعوة إلى دينه ليثيب المؤمنين وأعد للكافرين عذابا أليما.

سنتناول في المبحث القادم محمد صلى الله عليه وسلم ارسل للناس كافةز “تابعونا”


أضف تعليق